راهن أسياد المال العالمي على قهر الشعب الفلسطيني، فبعد تدرجهم في الدسائس، وحرصهم على التسرب إلى الحكومات العالمية، واستطاعتهم توظيف وعد بلفور لتوطين يهود الأشكيناز في الأراضي الفلسطينية، ثم إغراء يهود السفارديم للالتحاق بهم، وحماية مشروع الدولة الصهيونية بما تيسر من ترسانة سلاح للدفاع عن عن بقائه، فقد كان الغرض من ذلك كما يقول وليام غاي كار في كتابه المشهور “أحجار على رقعة الشطرنج” التوصل عن قرب لموارد الطاقة في الشرق الأوسط عن طريق الحروب والدسائس، وقد ظهرت كثير من الأمارات بل والدلائل على ذلك.
لم يكن جمع اليهود من الأشكيناز والسفارديم ثم يهود الفلاشا وغيرهم من المنسوبين للقبائل الضائعة في الهند وأفريقيا وغيرها إلا وسيلة لأهداف تتجاوز المقاصد الدينية في خدمة الشعب اليهودي، فقد كان واضعو المشروع يهدفون إلى تفجير المنطقة سياسيا وفكريا، بكل الوسائل الممكنة، وقد تمكنوا من ذلك إلى حد بعيد، لكنهم فشلوا في مواضع كثيرة ، أفسدت تمام المشروع، وأجلت ما كان متوقعا تعجيله، وواضعو المشروع مستعدون للتضحية بكل أولئك إن لزم الأمر، فإن الصهيونية التي تمثل الغلاف الخارجي للمشروع قائمة على ساقين في أصلها، الصهيونية اليهودية، والصهيونية النصرانية الإنجيلية، والثانية خادمة للأولى ظاهرا، ولكنها في نفس الوقت صمام أمان للمشروع الأكبر، فهي إحدى طرق هؤلاء للتخلص من الشعب اليهودي، بجعله وقود الانتقال إلى مرحلة تالية لمشروع السيطرة على العالم، بدءا من الشرق الأوسط ، وقد كان سبق لي كتابة مقالين في الموضوع، نشرا على السبيل المباركة قديما.
فشل مشروع سادة المال العالمي مرارا، حينما خانهم عملاؤهم بعد تمكنهم من السلطة والقوة في دولهم، لكنهم كانوا يستطيعون دائما صناعة عملاء جدد، في الصين والهند وغيرهما، وتمثل روسيا نوعا من المزاحمة الشديدة للمشروع، لأسباب عرقية وثقافية وتاريخية.
قليل من الناس من لاحظ حركة غريبة في “إسرائيل”، أبطالها اليهود ذوي الأصول المغربية، وهي حركة تقوم على محاولة ربط الصلة بالمغرب، بالتغني بالروابط الثقافية والسياسية، وقد استعملوا في ذلك أحيانا علمانيين مغاربة وربما كانوا من أدعياء الأمازيغية، وقد وصل الأمر بهم إلى تكوين مركز خاص لذلك في “دولة إسرائيل”، وألف بعض المدفوعين للعمل على ذلك كتبا في مدح ملوك المغرب، بل حاول بعهم قبل أيام لقاء الملك محمد السادس وفقه الله للخير أينما حل وارتحل ، ولم يفلح، وكان له لقاء مع صحيفة مغربية محسوبة على التطبيع، بل والإلحاد، صرح فيه بأن يهود المغرب في إسرائيل يعدون كلام الملك محمد السادس مثل كلام الله ، وأنهم “كيحماقوا على سيدنا”، ،وهذا أمر يوحي بأحد شيئين ،إما أن هؤلاء اليهود يعيشون حالة إذلال من طرف اليهود الشرقيين، وقد سمعت يهودية من أصول مغربية تشتكي من عزوف الرجل منهم عن الزواج بنسائهم ،ويفضلون اليهوديات الروسيات الشقراوات، وإما أنهم يشعرون بقرب سقوط مشروع دولة إسرائيل رغم كل المحاولات للإلقاء على قيامها، فهم شهود من الداخل على الحالة التي وصل إليها الشعب الإسرائيلي من التفرق، والعصبيات والقوميات اليهودية تتقاتل داخل إسرائيل.
الذي لاحظه الباحثون والمتابعون للشأن الصهيوني أن أصحاب المشروع الأكبر انتقلوا إلى صناعة نوع جديد من الصهيونية منذ مدة، وهي الصهيونية العربية، وهو مؤشر بقرب موعد النقلة الكبرى، على الأقل في نظرهم وتقديراتهم، فقد رأوا أن الصهيونية العربية أكثر نفعا وأمانا، وأقل تكلفة، خاصة وقد تمكنوا من كثير من المكاتب السياسية والإدارية لكثير من الدول العربية، ولعل ما حصل في الأردن يدل على أن المملكة الأردنية لاحظت وصول الأمر إلى مداه، فوق ما اتفقت عليه بينها وبين وكلاء سادة المال العالمي لضمان الاستقرار في البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وعلينا أن لا ننسى أن جل الشعب الأردني من أصول فلسطينية، وها هو ملك الأردن يسارع إلى التضامن مع الثائرين المقدسيين والغزيين، وبغض النظر عن قيمة ذلك، ومقاصده عند الأسرة الهاشمية المكية، فإن الأحداث لا بد من أنها تدل على شيء.
ينبغي النظر إلى التطبيع المغربي الإسرائيلي في هذا السياق، فإن ثم أسئلة تدور حول عزم اليهود الإسرائيليين من أصول مغربية على العودة إلى المغرب، وقد أعدت لهم العدة، وأقيمت لهم المشاهد لذلك، وقد يكون ذلك مناسبا للعزم الأمريكي على الانتقال إلى أفريقيا من أجل الولوج إلى مصادر الطاقة والابتعاد عن الشرق الأوسط الذي أنهكها كثيرا، وسيكون على فرنسا أن تتنحى، ولست أعرف علاقة كل هذا بقتل الرئيس التشادي.
حاول وليان غاي أن يستدرك ما فاته في كتاب جديد لم تكتمل صياغته الكاملة في حياته، فنشره ولده، وهو كتاب ” الشيطان أمير العالم”، وكان قصده فيه أن يرد كل هذا إلى مشروع إبليسي، ومع أنه ساق ثم وثائق وشهادات، لكنه طاشت سهامه، وكان اعتماده فقط على نصوص العهدين، ولو أنه رجع إلى القرآن الكريم، لوجد فيه أقوى دلالة على فضح المخططات والمؤامرات، وكشف المكر والكيد العالمي لإبليس وأعوانه.
ما بشر به الأستاذ بسام جرار من أن سقوط إسرائيل كائن في عام 2022 من الميلاد، ويؤكده مرارا وتكرارا، ليس بعيدا عن ما تذكره شهادات أكاديمية ودراسات مراكز، لكن الذي يهمنا من هذا كله، أن ما يجري اليوم قد لا يكون محبطا، بل دليلا على قرب زوال نوع من الضيق، للدخول في غيره، وأثناء هذا الانتقال، يمكن أن تتغير أمور كثيرة، فينقلب السحر على الساحر، فسادة المال العالمي، يغامرون ويقامرون، رغم الاحتياطات والدراسات والحسابات، لأنهم يمكرون والله يمكر، والله خير الماكرين.
إن سجن العلماء، ووصول التفاهة الأكاديمية والإعلامية بل والسياسية إلى أقبح حالاتها، وقصة وباء كورونا التي لم تكشف كل فصولها، مع أمور أخرى قد لا تخفى على المتابع الذكي، كل ذلك يحوجنا لمعاودة قراءة “بروتوكولات حكماء صهيون” التي شكك الدكتور عبد الوهاب المسيري في صحتها، لكنها اليوم، تشهد لها الشواهد، بل صح أن ما كتبه وليام غاي في كتاب الأحجار، كان كالشرح عليها، بالدليل والبرهان، وإن لم يصح كل ذلك، فكتابات المسيري كافية.
يحتاج المسلمون إلى وقفة مراجعة ومحاسبة، فهذا وقتها، حتى نكون فاعلين لا منفعلين دائما، وأن ننتقل إلى الأخذ بزمام المبادرة، فالطاقات ستتفجر، والنائم سيستيقظ، والعالم مقبل على تغيرات كبيرة، والله الموفق للخير، والحمد لله رب العالمين.