عرف الشذوذ الجنسي بوطننا في الآونة الأخيرة تطورا ملفتا للنظر، فمن فضائح السياحة الجنسية بأكادير ومراكش وغيرهما من مدننا السياحية التي ألفت أن تستفيق على جرائم قتل يرتكبها مغاربة شواذ ويذهب ضحيتها سياح أجانب، قصدوا المغرب لإشباع نزواتهم الشاذة فرجعوا إلى بلدانهم في توابيت من خشب، إلى الموسم الشركي لعلي بنحمدوش الذي يعتبر مؤتمرا سنويا للشواذ المغاربة الذين أصبحوا يطالبون بحقوقهم مما دفعهم إلى إنشاء جمعية أطلقوا عليها اسم “كيف كيف” أسوة بتنظيم “سواسية” الذي يوجد في تونس والجزائر، والتي تطالب بالمساواة بين الشواذ جنسيا وباقي المواطنين العاديين في الحقوق الاجتماعية والقانونية، مدعومة من طرف تنظيم سويسري يحمل اسم “best homo” وهو تنظيم يعد من أبرز التنظيمات المشجعة والمساندة للشواذ بالمغرب ماديا ومعنويا حيث خصصت مبلغ مليون أورو (نحو 11 مليون درهم مغربي) لتنظيم الاحتفال بتأسيس جمعية “كيف كيف”، دون أن ننسى الاحتفاء المبالغ فيه بالشاذ “عبد الله الطايع” والمتحول جنسيا “نور”، وآخر مظاهر تجليات الشذوذ تمثل في فضيحة القصر الكبير..، كل هذه الأحداث وغيرها كثير دفعت إلى رفع السرية عن ملف الشذوذ الجنسي في المغرب، حيث عرف أول تناول بالنقاش عبر القناة الثانية 2M من خلال برنامج “مباشرة معكم” الذي أبى إلا أن يروج لوجهة النظر العلمانية المشجعة للشذوذ، وبهذا لم يبق موضوع الشذوذ مقصورا على الصحف والمجلات العلمانية التي استغلت فضيحة القصر الكبير للترويج لنظرة العلمانية حول طرق تصريف الشهوة الجنسية، متسترة بالدعوة إلى تطبيق اتفاقيات الأمم المتحدة الداعية إلى تطبيع زواج الجنس الواحد، والمعاشرة من دون زواج، وفصل الزواج عن الإنجاب وعن الجنس، وقبول الشذوذ الجنسي كممارسة مشروعة، تدخل ضمن حقوق الإنسان، مما يدفعنا إلى تسليط الضوء على نظرة العلمانيين إلى طرق تصريف الشهوة الجنسية المذكورة آنفا.
نظرة العلمانيين المغاربة إلى طرق تصريف الشهوة الجنسية
يجتهد العلمانيون في تبني مفهوم التربية الجنسية، بغرض كسر الطابوهات وإخراج المسكوت عنه، “ويجنح رواد هذا الطرح لتعليق بعض الظواهر المنتشرة في المجتمع، مثل ظاهرة الطلاق أو البغاء أو الشذوذ أو غيرها من الظواهر على عامل انعدام التربية الجنسية في الثقافة السائدة، ويتطرف بعضهم فيجعل من الجنس المحور الأساسي والقضية المركزية التي ينبغي أن تجتهد الأقلام والأفهام لتجليتها باعتبارها ذلك المسكوت عنه التاريخي الذي ينبغي إعادة الاعتبار له، سواء على مستوى أشكال التعبير الفني، أو على مستوى إعطائه الأولوية في التحليل والمقاربة.
وهذا ما يظهر جليا في إنتاجاتهم الأدبية الروائية والشعرية والسينمائية والمسرحية، والمعالجات الإعلامية التي تجتهد في إخراج هذا “المسكوت عنه” بعناية كبيرة، سواء كان هذا الإخراج مجرد تعبير عن المعطى الموضوعي في الواقع، أو تصورا طيفيا يصوغه الخيال الأدبي والفني لأصحاب هذا الطرح”.
وينبني هذا الإخراج على مقاربة نفسية ومقاربة سوسيولوجية.
أما المقاربة النفسية فتتأسس على مفهومين متقابلين بالنظر إلى موضوع الجنس:
– مفهوم السلامة النفسية
– ومفهوم العقدة النفسية.
فالجنس باعتباره طاقة غريزية شهوية يحتاج في هذا المنظور إلى تحرير وإشباع.
إما في شكل ممارسة جنسية لا تراعي مفهوم الشرعية؛ إذ الإشباع ليس من وظيفته البحث عن القانونية والشرعية.
وإما في شكل إعلاء، وهو نوع من التفريغ التعويضي الذي يجعل الفرد منشغلا بموضوعات أخرى يفرغ فيها مكبوتاته الجنسية.
وغير هذين المسلكين فهو العقدة النفسية الناتجة عن عدم تسوية مشكلة الجنس، وتصريفه ضمن قنواته المفترضة.
ينضاف إلى المقاربة النفسية المقاربة السوسيولوجية التي تعتمد على مفهوم “إخراج المخبوء من أجل فهم الظاهرة ومعالجتها عبر تنظيمها”؛ حيث تعتقد هذه المقاربة أن ظاهرة العلاقات الجنسية غير الشرعية -وحتى ظاهرة الشذوذ- هي ظواهر مجتمعية موجودة كمعطى موضوعي، وعدم ظهورها لا يعني انحصار الظاهرة في عدد محدود؛ بل إن خفاءها مرتبط بالثقافة السائدة التي تجعل من الجنس تابوها محرما. ولهذا ترى هذه المقاربة أن خفاء الظاهرة يمكن اعتباره علامة مرضية. فلأجل فهم عميق للظاهرة ولأجل معالجتها لا بد من إخراجها من حيز الخفاء إلى الظهور والعلن، ثم بعد ذلك بدلا من التسيب الموجود في الخفاء تقترح هذه المقاربة العلمانية حل تقنين الظاهرة وتنظيمها حتى لا تؤثر سلبا على التنمية المجتمعية.
وهكذا تلتقي المقاربة النفسية مع المقاربة السوسيولوجية، وينتظم الكل ليشكل جزءا من الخطاب العلماني في تغطيته للمشكلة الجنسية”. (انظر كتاب حوار مع العلمانية).
يدعو العلمانيون من خلال مقاربتهم المدحوضة إلى الأخذ بالأساليب الغربية في طرق تصريف الشهوة الجنسية، ويرون في ذلك الحل الوحيد لكل المشاكل الجنسية العالقة..
وهنا لنا أن نطرح بعض التساؤلات:
ماذا جنى الغرب من وراء هذه المقاربات المطروحة لحل مشاكله الجنسية؟
كم هي نسبة المصابين بداء السيدا وغيره في الدول التي تبنت مثل هذه المقاربات؟
هل يجوز الاستدلال بتجربة فاشلة والدعوة إلى الاقتداء بها داخل مجتمعنا؟
إن التزام النظرة الغربية في طرق تصريف الشهوة والتي يطبل ويزمر لها العلمانيون صباح مساء عبر جريدتي الصباح والأحداث ومجلتي نيشان و”لوجرنال” وغيرهما من قنوات نشر الفجور والشذوذ داخل المجتمع المغربي انتهت بالمجتمعات الغربية إلى نهاية مؤلمة صارت المرأة معها مجرد دمية يتمتع بها الرجل وقتما شاء، بل انتهت إلى زهد كثير من الغربيين في العلاقة الطبيعية والبحث عن أساليب أخرى لقضاء الشهوة، فتعدى الأمر عندهم اللواط والسحاق ليصل إلى ممارسة الجنس مع الكلاب والحمير، وانتهت إلى استجداء المرأة لأي عابر لقضاء شهوته، وانتهت إلى عودة الرقيق الأبيض وبيع الأعراض بأبخس الأثمان، وإلى انتشار ظاهرة اغتصاب النساء والأطفال، وإلى التحرش الجنسي، وإلى إدمان المخدرات واتساع دائرة السرقة والنهب والرشوة والفساد وإدمان الخمور والمخدرات، وانتشار الأمراض الفتاكة.
هذا هو بعض ما انتهت إليه التجربة الغربية، فهل هدف العلمانيين هو تحقيق مثل هذه النتائج المبهرة داخل مجتمعنا؟
وللأسف الشديد فقد بدأت كثير من مثل هذه الظواهر تتسلل داخل مجتمعنا نتيجة الجو العفن الذي تحدثه وسائل الإعلام العلمانية المأجورة وبعض الأقلام المسمومة التي تنهش في عرض هذا البلد الشريف الذي عاش وسيعيش بالإسلام وللإسلام؟
فإذا كان القانون المغربي لا يطبق الحكم الشرعي على قضايا فاحشة اللواط فإنه مع ذلك يجرم صراحة هذا الفعل، فقد جاء في الفصل المتعلق بتجريم الشذوذ في باب انتهاك الآداب في الفرع السادس من القانون الجنائي في مادته 489: “يعاقب من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 1000 درهم من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يكن فعله جريمة أشد”.
ورغم ضعف العقوبة القانونية مقارنة مع العقوبة التي شرعها الله تعالى على لسان نبيه وعظم الجرم وخطورته على الأسرة والنسل، يلاحظ أن السلطات تتعامل بنوع من التسامح مع الشواذ مستجيبة للضغط الذي تفرضه المنظمات التابعة للأمم المتحدة، والجمعيات الغربية الداعمة للشواذ والحريصة على مراقبة مؤشر تطور هذا الملف داخل وطننا مراقبة من له مصالح في إفساد أخلاق مجتمعنا.
فعلى كل مغربي مسلم غيور أن يحوط رعيته وسلطانه بسياج العفة والحياء والطهر، وأن يمنع تسلل مثل هاته الأفكار والأطروحات المنحلة التي أثبتت فشلها عمليا في المجتمعات الغربية، وليضع كلٌّ منا نصب عينيه قوله جل في علاه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” التحريم.