انتبه فأنت في بيت الله (2) أحكام وتنبيهات متعلقة باللباس أنواع من اللباس منافية لأدب المسجد  نور الدين درواش

 

ينبغي لمن قصد بيت الله سبحانه وتعالى أن يعتني بلباسه ومظهره، امثالا لقوله تعالى:﴿يَٰبَنِےٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْۖ وَلَا تُسْرِفُوٓاْۖ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ اُ۬لْمُسْرِفِينَۖ 29﴾ [الأعراف:31].

فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الآية بأخذ الزينة عند كل مسجد، والزينة تشمل أمرين:

الأول: ستر العورة وتفصيل حدها وشروطها محله كتب الفقه.

الثاني: قدر زائد على ستر العورة، وهو التزين والتجمل بما يليق بلقاء الله عز وجل، في كل صلاة حملا للمسجد على أعضاء الصلاة، أو عند دخول بيوت الله عز وجل حملا للفظ مسجد على بيوت الله.

قال ابن رجب: “قال طائفة من العلماء: إن الآية تدل على أخذ الزينة عند المساجد، وذلك ‌قدر ‌زائد ‌على ‌ستر العورة، وإن كان ستر العورة داخلا فيه وهو سبب نزول الآيات، فإن كشف العورة فاحشة من الفواحش، وسترها من الزينة، ولكنه يشمل مع ذلك لبس ما يتجمل به ويتزين به عند مناجاة الله وذكره ودعائه والطواف ببيته؛ ولهذا قَالَ تعالى عقب ذَلِكَ: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَ۬للَّهِ اِ۬لتِيٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَالطَّيِّبَٰتِ مِنَ اَ۬لرِّزْقِۖ قُلْ هِيَ لِلذِينَ ءَامَنُواْ فِي اِ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْيا خَالِصَةٞ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِۖ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ اُ۬لَايَٰتِ لِقَوْمٖ يَعْلَمُونَۖ 30﴾ [الأعراف:32]” ([1])

وقد دلت السنة النبوية كذلك على استحباب لبس الثياب الحسنة عامة ويتأكد ذلك في بيوت الله.

عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ‌ثَوْبٍ ‌دُونٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ مَالٌ؟» قَالَ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ، قَالَ: «مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟» قَالَ: قَدْ آتَانِي اللهُ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، قَالَ: «فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ وَكَرَامَتُهُ»([2])

فيستحبّ لبس الثياب النظيفة، والجديدة، والجيّدة؛ لما فيه منْ إظهار نعم الله تعالى عَلَى العبد، ويحصل به أيضاً التوصّل إلى المطالب الدينيّة، منْ أمر بمعروف، أو نهي عن منكر عند منْ لا يلتفت إلا إلى ذوي الهيئات، كما هو الغالب عَلَى عوامّ زماننا، بل وعلى بعض خواصّه وينبغي أن يقصد بذلك إظهار نعمة الله تعالى عليه، والتوصّل إلى المقصد المذكور، ولا يلبسه للتكبّر([3])

وإذا كان هذا عاما فهو لزائر بيت الله آكد.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‌بْنِ ‌عَمْرِو ‌بْنِ ‌العَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى ‌أَثَرَ ‌نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ»([4])

“يعني إذا آتى الله عبداً من عباده نعمة من نعم الدنيا، فليظهرها من نفسه، بأن يلبس لباساً يليق بحاله لإظهار نعم الله عليه، وليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات. وكذلك العلماء فليظهروا عملهم ليستفيدوا من علمهم”([5])

نماذج من المخالفات المتعلقة باللباس في المسجد:

  • من المخالفات دخول المساجد بثياب العمل التي قد تكون متسخة، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم عامة وهو في المساجد أشد.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ، وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ ‌وَسِخَةٌ، فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ»([6])

قال السَّهَارْنَفُورِي: “وفيه النظافة من الأوساخ الظاهرة على الثوب والبدن”([7])

  • دخول المساجد بثياب ممزقة أو مشققة أو مخروقة… مما يخاف الذوق والمروءة، مجاراة للموضة وتقليدا لمشاهير السَّفَلَة من أهل الفن والرياضة والتفاهة.
  • دخول المسجد والصلاة بسراويل ضيقة جدا تحجم العورة وتحددها وتصفها، أو سراويل قصيرة فوق الركبة، أو ملابس شفافة تظهر بعض ما يجب ستره، وكل هذا مناف لتمام تغطية العورة.
  • دخول بعض المصلين المسجد بسروايل قصيرة من الحزام، وغير سابغة تنحسر عند الركوع والسجود فتنكشف العورة أسفل الظهر وأعلى السوءة، ولا شك أن هذا قد يتسبب في إبطال الصلاة.
  • دخول المسجد بثياب عليها صور لفنانين أو مشاهير أو غيرهم، مما لا يليق ببيوت الله بل أحيانا تكون المصيبة أدهى وأطم؛ لاشتمال ملابس المصلين على صور لنساء عاريات سافرات.
  • الدخول بلباس عليه صليب، ومعلوم أن الصليب هو معبود النصارى ووثنهم ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقض التصاليب.

فَعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ ‌تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ»([8])

فينبغي الحذر من كل أشكال الصلبان وما أكثرها في هذا العصر، وخاصة في الملابس الرياضية التي تحمل شعارات فرق رياضية غربية تحمل الصليب جزءا من شعاراتها، كشعار نادي ريال مدريد، وشعار نادي برشلونة، وغيرها من الشعارات…

ومن هذا القبيل؛ الأعلام التي تحمل صليبا كأعلام بريطانيا وسويسرا والسويد وفلندا والنرويج فضلا عن شعار منظمة الصليب الأحمر…

  • الدخول بثياب عليها عبارات سيئة ذات معان فاسدة أو كلمات ذات إيحاءات إباحية أو عبارات ساقطة تخدش الحياء، ما يحتم على العاقل أن لا يلبس ثوبا في عبارة بِلُغة ما حتى يفهم معناها ويعي دلالتها، ويتأكد أنها لا تخالف شرعا ولا ذوقا ولا حياء.
  • الدخول بألبسة فيها إشهارات دِعَائِية لأمور محرمة كالخمور أو السجائر أو لمعاملات محرمة كالقمار والربا وغير ذلك…
  • الإتيان للمساجد بثياب عليها رموز وأعلام وعلامات مذاهب كافرة أو منحرفة كنجمة داود الصهيونية أو رموز الماسونية أو علم الشواذ أو الرموز القومية والشعوبية المناهضة للوحدة الإسلامية للأمة.
  • دخول المساجد بألبسة النوم أو بعض الألبسة الداخلية وبخاصة في صلاة الصبح.
  • ومما يلحق بما سبق تزويق فرش المسجد أو جداره بالألوان والرسومات التي تفتن المصلين وتذهب بخشوعهم.

———————————————–

([1]) فتح الباري لابن رجب (2/335).

([2]) رواه أبو داود (4063)، والنسائي (5223)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (254).

([3]) ذخيرة العقبى في شرح المجتبى للإثيوبي(38/334).

([4]) رواه الترمذي (2819)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1887).

([5]) الكاشف عن حقائق السنن للطيبي(9/2902).

([6]) رواه أبو داود (4062)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (493).

([7]) بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/90).

([8]) رواه البخاري (5952).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *