أدرك الغرب بعد أن درس المجتمعات المسلمة وتعرف على أسباب قوتها وتماسكها، أن من أسباب قوة المجتمع المسلم وتماسكه رغم كل التحديات، تفرغ المرأة المسلمة لتربية أبنائها ورعاية أسرتها وحفاظها على كرامتها وعرضها وارتفاعها واستعلاءها على أن تكون أداة إفساد أو وسيلة فتنة في مجتمعها.
لقد ربت المرأة المسلمة عبر قرون طويلة أبناءها وزرعت فيهم حب البذل والتضحية في سبيل الله، إلى جانب التحلي بالشهامة والرجولة والنخوة، لذا لم تعدم الأمة على طول تاريخها من أبطال صناديد حملوا لواء الجهاد والبذل والعطاء، لذلك صمد الإسلام أمام قوى البغي العاتية من الصليبيين والتتار وغيرهم، وظلت المجتمعات المسلمة على سلامتها وحفاظها على دينها حتى مع ضعف قوتها وتأخرها العلمي، لأجل ذلك سارع الغرب بكل ما أوتي من قوة ومكر وخبث إلى وضع خطة لإفساد المرأة فكرا وخلقا وسلوكا ومن ثم تفكيك الأسرة المسلمة وإضعافها وإعاقة قيامها بالتربية الإسلامية.
ولعلم الغرب أن قوة المجتمع المسلم تكمن في تماسك الأسرة المسلمة حشد قوته وجَنَّد أولياءه بهدف نسف مكمن القوة هذا، فظهرت حملات ودعوات متعددة موجهة إلى المرأة المسلمة وإلى القائمين على المحافظة عليها لتحريضها على نبذ آداب الإسلام وأخلاقياته، التي عاشت المرأة المسلمة في كنفها قرونا طويلة كريمة عزيزة مصانة، وكانت بها عاملا من عوامل قوة المسلمين.
دعوات تغريب المرأة
اتخذت هذه الدعوات صورا وأشكال متعددة وبراقة تخفي وراءها الوجه القبيح من ثمارها الخبيثة، جرت على المرأة الويلات وأوردتها موارد الهلكة، فأفسدتها ابتداءا وأفسدت مجتمعها انتهاءا.
– فباسم تحرر المرأة خلعت المرأة المسلمة حجابها وأبدت ما حرم الله عليها إبداءه من زينتها وبدنها.
– وباسم تعلم المرأة وتثقيفها والمشاركة في خدمة المجتمع خرجت المرأة تخالط الشبان والرجال في الطرقات ووسائل المواصلات والمدارس والمعاهد والكليات متبرجة كاسية عارية مائلة مميلة.
– وباسم رقي المرأة خرجت إلى النوادي و المنتديات ودور السينما والمسارح وأماكن اللهو والفجور تشارك في الفساد تمارسه وتدعو إليه.
– وباسم المساواة بالرجل خرجت تزاحم الرجال في وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات وتقلدت المناصب والولايات وخاضت الانتخابات.
– وباسم الوطنية والتضحية في سبيل الوطن قادة المظاهرات الشعبية وسافرت للتعلم بمفردها في بلاد الغرب.
– ولزيادة دخل الأسرة ورفع مستواها الاجتماعي والمعيشي خرجت تقتحم سوق العمل بقطاعيه العام والخاص فتعرضت للتحرش، وابتذلت حتى صارت سلعة اقتصادية تباع وتشترى.
كانت النتيجة كما أرادها أعداء الإسلام تَصَدُّع بنيان الأسرة المسلمة حتى ضاقت الحياة – بالأزواج والزوجات على السواء، وأهملت الأولاد وضعفت التربية الإسلامية للنشء.. وفقدت الروابط الأسرية حتى بلغت الأحوال درجة كبيرة من السوء والانحطاط ما كان يحلم بها الغرب في وقت من الأوقات، ولم يعد غريبا على الأسماع أن تطالعنا حوادث وجرائم يومية داخل الأسر من عقوق أو إيذاء، بل وقتل للآباء والأمهات من قبل الأبناء، واعتداء على الأعراض وخطف واغتصاب، وقتل الزوجات لصغار الأبناء بل وللأزواج، وانصراف الأزواج عن بيوتهم ينشدون الراحة خارجها بعد أن فقدوا فيها الشعور بالمودة والسكينة.
وهنا يواجهنا سؤال لا مفر من الإجابة عليه: ما هو المطلوب من المرأة المسلمة أن تفعله لمواجهة موجة التغريب العاتية؟
المرأة المسلمة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تكون سلاحاً في وجه أعدائها، وذلك من خلال رفضها لكل الدعوات الكاذبة والخادعة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، متمثلة بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ”.
فعلى المرأة المسلمة أن تقف سداً منيعاً إلى جانب الرجل المسلم في وجه ما يخطط للأمة الإسلامية من خلالها، فلا تكون عوناً لأعدائها وأعداء أمتها، بل يجب عليها أن تعي وتدرك ما يدور حولها من خطط لإبعادها عن دينها ورسالتها في هذه الحياة وتهميش دورها في بناء مجتمعها الإسلامي، وإشغالها بتوافه الأمور، وإضاعة وقتها في تتبع ما تبثه الفضائيات، وما تنشره المجلات الهابطة من عروض للأزياء وآخر الموديلات من مكياج وعطور، ومتابعة أخبار الفنانين والفنانات! إنه من المؤلم حقاً أن نرى إلحاح الإعلام المرئي والمقروء على جعل المومسات والفنانات قدوة لبناتنا وأخواتنا.. وما كثرة استضافتهن على شاشات التلفزيون وإبراز صورهن على أغلفة المجلات وداخلها، إلا تأكيد لذلك.
إن الغرب الذي ينظر إلى المسلمين كافة ونسائهم خاصة كسوق استهلاكية لمنتوجاته الاقتصادية، يغيظه تمسك هذه الأمة بدينها، فدعوتهم إلى تحرر المرأة المسلمة المتمثل في دعوتها إلى خلع حجابها واختلاطها بالرجال بغية أن يعم الفساد داخل المجتمع المسلم، ما هو إلا دليل على صحة ما نقول لأن المتدينة المحتجبة لا تستهلك معشار ما تستهلكه المتفسخة المنحلة، فلن يهنأ لهم بال ولا يستقر لهم حال حتى نترك ديننا ونعيش بتبعية كاملة لهم منفذين رغباتهم وأمانيهم التي لا تنتهي إلا باتباع ملتهم كما أخبرنا به الحق جل جلاله “وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” البقرة.
فالواجب على المرأة المسلمة أن تعود إلى إسلامها وتتمسك به بكل قوة، وتعيش تعاليمه منهجاً وسلوكاً، وتطبقه على نفسها أولاً ثم على من هم تحت رعايتها، فلا بد أن تعلم المرأة المسلمة قبل كل شيء أن الإسلام كلّ لا يتجزأ، عقيدة، وعبادة، ومنهج حياة، فإذا أرادت أن تأخذ منه ما يطابق هواها وتترك ما يغايره فإن هذا ينقض العقيدة وسلامتها. يقول تعالى: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” الأحزاب.
فلتكن المرأة المسلمة عوناً للرجل تسانده وتشجعه بالدعوة لهذا الدين والذود عنه، فلا تضيع وقتها فيما لا يعود عليها ولا على أمتها بالخير، فعمرك يومك وإذا ذهب يومك ذهب بعضك، والمسلمة سوف تسأل عن عمرها فيما أفنته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن رزقه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به” الترمذي. فعلى المرأة المسلمة الحذر كل الحذر من أن تقع في شراك أدعياء تحرير المرأة، فإنهم يهدفون من وراء ذلك الطعم اصطيادها وتحللها من دينها وقيمها وأخلاقها، وحينها تكون ذيلاً لهم وتابعة ذليلة لمناهجهم.
إن الأمر جد خطير، فلا بد من تعبئة كل القدرات وتهيئتها وتضافر الجهود وبذل الطاقات من أجل صحوة دينية نسائية صادقة هادفة، تقوم على أسس هذا الدين ومبادئه، فقد آن الأوان لكي نرد لهذا الدين عزته، وللمؤمنين كرامتهم، فنحن أحق بأنفسنا من التبعية للأجنبي الغريب، بل نحن أحق بقيادة هذا العالم، لأن ديننا صالح لكل زمان ومكان، وهو ينشر العدل والأمن والسلام بين البشر وميزانه: “إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” الحجرات، و”لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى”.