شرع الإسلام من الأعمال الصالحة في رمضان ما يكون سببًا لرفع الدرجات ودفع المسلمين إلى العمل الصالح، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، ويقول أيضًا: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. وظل رمضان قرونًا عديدة بعد مهد الرسالة موسمًا لجهاد النفس وإصلاح أوضاع المجتمع تأكيدًا لحقيقة أن مشقة الصوم لا تقعد الصائم عن ممارسة أشق الأعمال وإنما تدفعه إلى الاستزادة من خيرها. ولكن واقع المسلمين اليوم يرسم علامات استفهام نظرًا لوجود ظواهر سلبية عديدة أثناء أيام الشهر تدل على موت الهمم عن معالي الأمور، واستسلامها لشهوات النفوس لغياب الوازع الديني، وقوة المد التمييعي الذي عمل على علمنة شهر رمضان. وقد كان شهر رمضان عند الرعيل الأول شهر العبادة والنفقة وقراءة ومدارسة القرآن ورفع راية الجهاد، ففي رمضان وقعت أحداث غيرت مسار التاريخ ونقلت الأمة الإسلامية لواقع التقدم والصدارة والريادة، كان أولها غزوة بدر حيث انتصر المسلمون على أعدائهم وسمي ذلك يوم الفرقان؛ لأنه فرق بين الحق والباطل، وانهزم الطغاة الذين خيل إليهم أنهم قادرون على إخماد الشعاع الذي انبثق من الغار في شهر رمضان.
بدر.. نصرة الحق وقوة الإيمان وفي يوم بدر كان جيش المشركين ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، فألقى المسلمون بأمرهم إلى الله فاستجاب لهم، وأمدهم بالملائكة يقاتلون معهم، وفي ذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [الأنفال]. وأكدت موقعة بدر أن نوعية السلاح ليست الشرط الأول للنصر وإنما نصرة الحق وقوة الإيمان، وأن المدافعة بين الحق والباطل سنة كونية والغلبة تكون لأهل الحق مهما تمدد الباطل وكثر أشياعه، يقول الله تعالى: “قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ” [آل عمران: 13].
فتح مكة.. قوة وسماحة وما هي إلا بضع سنين حتى كانت جيوش المسلمين تفتح مكة من أركانها الأربعة في 20 رمضان من العام الثامن من الهجرة النبوية المباركة، ففتحوا مكة دون قتال بعد أن وضعوا خطة للقتال واستوفوا أسباب النصر المادية والمعنوية فكان عندهم من العزم ما برزوا به على أعدائهم، وأخذوا بكل نصيب من القوة امتثالاً لقوله تعالى: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ” [الأنفال: 60]. إن هذا الفتح المبين ليذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بماض طويل الفصول، كيف خرج مطاردًا! وكيف يعود اليوم منصورًا مؤيدًا! وأي كرامة عظمى حفه الله بها هذا الصباح الميمون! وكلما استشعر هذه النعماء ازداد لله على راحتله خشوعًا وانحناء. لم ينتقم من قريش؛ لأنه لا يضمر إلا الخير ولا يبغ إلا الإصلاح يقول تعالى: “لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” [القصص: 85]. وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟” قالوا: “خيراً، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم”، فقال عليه الصلاة والسلام: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
فـتح الأندلس والهـند وفي رمضان من عام 92هـ عبر أصحاب طارق بن زياد المضيق، وانساح المسلمون في الأندلس يقيمون دولة العلم والإيمان، ومنها انطلقت إشعاعات الحضارة على أوروبا، وكان النابغة من رجالها يفخر بأنه يتكلم العربية ويحفظ القرآن، ويعلم فقه مالك وأبي حنيفة. وفي نفس الشهر كان محمد بن القاسم الشاب الذي كان تحت سن العشرين يشق جبال السند ومعه قلة باسلة من الشباب المسلم، منهم من حملته السفن، ومنهم من كان يمتطي ظهور الخيل، وكانت المعركة الفاصلة مع “داهر” ملك السند الذي خرج على رأس جيش من ركاب الأفيال ليبث الرعب في قلوب الفرسان، ولكن خيل الإسلام التي ترفع راية التوحيد كانت أشد صمودًا، ودخل الإسلام بلاد السند ومنها إلى بلاد الأفغان على يد هذا الفاتح الشاب.
فتح عمورية.. وفتح المعتصم بالله العباسي حصون عمورية في رمضان عام 223 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في مئة وخمسين ألفًا من جنوده بعد أن نقل إلى الخليفة أن امرأة مسلمة قد وقعت بيد الروم ونادت: “وامعتصماه، وامعتصماه”، فقال: “لبيك.. لبيك”، وأقسم ألا يعود إلا شهيدًا أو ظافرًا منتقمًا للمرأة المسلمة، ولم تغب شمس يوم 17 رمضان إلا وكانت المدينة قد اقتحمت وشوهد المعتصم بن الرشيد يدخل عمورية على صهوة جواده الأصهب. عين جالوت.. واااسلاماه وفي رمضان عام 658 هجرية أعز الله المسلمين ونصرهم على عدو يفوقهم في العدة ويزيد عليهم في العدد في موقعة عين جالوت، فبعد أن اجتاح التتار بلغاريا وروسيا والمجر وأخضعوا تركستان وسمرقند وبخارى وكرمان، وغزنة وما جاورها وبلاد الهند، ودمروا هراة وبخارى، التقى جيش المسلمين بهم صباح الجمعة لخمس بقين من رمضان في عين جالوت بين بيسان ونابلس وصاح سيف الدين قطز: “واسلاماه.. واسلاماه” فألقى الله الوهن في نفوس التتار، وهزمهم المسلمون ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك اليوم.
فتح العثمانيين لـ”بلجراد” وفتح العثمانيون بلجراد في 4 رمضان 927هـ، وكانت مفتاح أوروبا الوسطى وعقبة تعترض طريقهم نحو الانسياب إلى قلب أوروبا فيينا وبودابست..، وكانوا قد حاولوا فتحها ثلاث مرات ولم يتمكنوا إلا في المرة الرابعة بعد ما يقرب من قرن من الزمان، وبعدها تدفق العثمانيون على أوروبا كالسيل الجارف.
الله أكبر .. معركة 10 رمضان ثم كان انتصار العاشر من رمضان عام 1973م حلقة من سلسلة الانتصارات التي حققها المسلمون منذ بدر، ولا يزال الطريق مفتوحًا طالما بقي رمضان ببركاته التي تملأ النفوس شجاعة وتضحية وعمل، حيث تمكن الجيش المصري خلال العشرة أيام الأولى من الحرب من تحقيق سلسلة من الإنجازات العسكرية الرائعة عبر اجتياز أكبر الموانع المائية في تاريخ الحروب بأكبر قدر من الكفاءات أبرزت شجاعة المقاتل المصري واستعداده الدائم للتضحية وهو ما عرف (بروح أكتوبر). وتحقق النصر بفضل عاملين هامين: الأول: إحياء الروح الإيمانية، حيث كان المجاهدون يرددون نداء الإيمان بكبرياء الحق سبحانه: “الله أكبر.. الله أكبر”، وردد الخطباء مقولة خالد بن الوليد رضي الله عنه لقائد الروم في اليرموك: “لقد جئناكم بأناس يحبون الموت كما تحبون الحياة”. الثاني: لم الشمل العربي حيث قام تنسيق جمع الصف العربي وكانت أبرز مظاهره منع البترول عمن يعين العدو ويساعده. فأين رمضاننا من هذه البطولات والفتوحات؟