اعلم أنه كما يُتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وتقريراته، يُتأسى به كذلك في أفعاله لعموم قوله تعالى: “َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً” إلا أن هذه الأخيرة أنواع وأقسام ينبغي معرفتها حتى لا يقع الخلط بينها وحتى يَتأسى المرء بالنبي عليه الصلاة والسلام وفق الضوابط العلمية والقواعد المرعية وعليه نقول:
إن أفعاله عليه الصلاة والسلام أنواع:
النوع الأول: ما فعله بمقتضى الجبلة كالأكل فلا حكم له في ذاته، ولكن قد يكون مأمورا به أو منهيا عنه لسبب، وقد يكون له صفة مطلوبة كالأكل باليمين أو منهي عنها كالأكل بالشمال. ومعنى أنه “لاحكم له في ذاته” أي لا يسن فعله فهذه الأفعال متفق على أنها تباح منا ومنه صلى الله عليه وسلم.
الثــــاني : الأمور الاتفاقية التي وقعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا من غير قصد، فهل يشرع أن يتبعه الإنسان أم لا؟ والصحيح أنه ليس بمشروع اتباعه وهوم مذهب أكثر الصحابة. فمثلا لو قال قائل: أيسن لنا الآن ألا نقدم مكة في الحج إلا في اليوم الرابع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم يوم الرابع؟ الصحيح أنه لا يشرع.
الثالث : ما وقع على سبيل التشهي مثاله: حب النبي صلى الله عليه وسلم للدباء.
الظاهر أن هذا، الإتباع فيه أحرى من الإتباع فيما سبقه –وهو ما وقع اتفاقا- لأن هذا لم يقع اتفاقا، حيث أننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يتتبعها أنه يتبعها قصدا لا اتفاقا.
الرابع: ما فعله صلى الله عليه وسلم بحسب العادة كصفة اللباس، فمباح في حد ذاته و قد يكون مأمورا به أو منهيا عنه لسبب.
لكن هل يشرع لنا على سبيل الإستنان أن نتبعه عليه الصلاة والسلام فيه؟ مثلا: العمامة والرداء والإزار. نقول: نعم يشرع أن نتبعه فيه.
لكن ما معنى الإتباع. هل اتباعه في عين ما لبس أو اتباعه في جنس ما لبس؟ الجواب، الثاني. لأنه ليس مما اعتاده الناس في ذلك الوقت.
الخامس: ما فعله على وجه الخصوصية فيكون مختصا به صلى الله عليه وسلم كزواجـه أكثر من أربع.
ولا يحكم بالخصوصية إلا بدليل
السادس: ما فعله تعبدا فيكون مندوبا فعله على أصح الأقوال.
مثاله كما في حديث عائشة –رضي الله عنها– أنها سئلت بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك، فليس في السواك عند دخول البيت إلا مجرد الفعل فيكون مندوبا.
الســــابع: ما فعله صلى الله عليه وسلم بيانا لمجمل من نصوص الكتاب أو السنة، فإن كان الأمر واجبا كان ذلك الفعل واجبا. وإن كان مندوبا كان ذلك الفعل مندوبا.
مثال الواجب: أفعال الصلاة الواجبة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بينا لمجمل قوله تعالى:
{وأقيموا الصلاة}.
ومثال المندوب: صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين خلف المقام بعد أن فرغ من الطواف بيانا لقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} حيث تقدم صلى الله عليه وسلم إلى مقام إبراهيم وهو يتلو هذه الاية، والركعتان خلف المقام سنة مندوبة.