انتهت المجزرة الصهيونية لأهل غزة مخلفة مئات القتلى وآلاف الجرحى ودمارا هائلا في المنازل والمنشآت والمرافق والبنية التحتية..
انتهت ملحمة غزة وسكت صوت الكثير من الذين تحركوا حين روعتهم بشاعة مناظر جثث وأشلاء الفلسطينيين المسلمين.
انتهت الحرب بفوز العزيمة والصمود، وثبات الحق الذي لا يهزمه الباطل..
توقف إطلاق النار الحارقة بالفوسفور والدايم، ولا يزال مسلسل القتل والحصار يخيم على قطاع الشموخ والمهابة..
قطاع المرأة الصابرة المحتسبة التي قدمت الزوج والأولاد في سبيل الله..
قطاع الطفلة التي تمدح الشهيد، وتحارب دموع الوهن..
قطاع الطفل الذي يَعِدُ الأمة بالنصر والعدو بالهزيمة..
فهل يحق لنا نسيان القضية، وطي صفحة جديدة من صفحات تاريخنا مع أشد الناس عداوة لنا، قال ربنا جل في علاه: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ”؟
إن حرب غزة أثبت للصادقين أن النصر محقق بنصر الله، لقوله جل شأنه: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”، وأن تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من دنس اليهود الصهاينة أمر واقع لا محالة، فسيقول الشجر والحجر يوما: “يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود”، لكن يتحقق ذلك يوم يكون المسلم عبدا لله يمتثل أمره ويجتنب نهيه ويتبع نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يحب الدنيا حتى تستحوذ على قلبه وعقله، ولا يكره الموت حتى يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل..
علمتنا حرب غزة أن الصمود ووحدة الصف خلف كل انتصار، وأن جمع المسلمين لا يغلب من قلة..
علمتنا حرب غزة أن النصر هو اليقين بالنصر، وأن المقاومة هي السبيل الذي يحقق الكرامة لمن ذل تحت عتبة مبادرات السلام مع الصهاينة..
فماذا بعد غزة ونصرها العزيز؟
يجب على المسلم الذي يعرف قيمة المسجد الأقصى محررا، أن لا يرضى بذُلٍّ الاحتلال الصهيوني المغتصب لأرض الإسلام، وأن لا ينسى حرب غزة، بل ينبغي أن تكون هذه الحرب الميثاق الذي يربطه بقضية فلسطين والمسجد الأقصى.
إن على الدول الإسلامية كافة أن تجعل من قضية فلسطين همها الأكبر إن كانت صادقة في ادعائها العمل على تحرير المسجد الأقصى مسرى رسول الله، ومما ينبغي اتخاذه في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي:
– تعديل البرامج التعليمية التي أفسدت الحس الديني لدى النشء من خلال ما أقحم فيها من قيم الحداثة الغربية التي تفصل بين المعتقد الصحيح الباعث إلى العمل وفق ما يحبه الله ويرضاه، والتي تجعل من الفكر الغربي أساسا للثقافة والسلوك.
– إعطاء الأولوية للتربية الدينية التي تصحح المعتقد لدى النشء، وتحصن المسلم من التبعية للغرب، وتحثه على تحصيل ما يحقق له العزة وذلك بامتثال السنن الشرعية دون إهمال للسنن الكونية.
– الاهتمام بالقضية الفلسطينية في برامج التعليم عبر دراسة تاريخها والتعريف بكيد دول الغرب الذين عملوا بالتعاون مع المنظمات الماسونية الصهيونية على إسقاط الخلافة الإسلامية، وتقسيم أرض الخلافة دولا صغيرة يسهل السيطرة عليها بخلق المشاكل السياسية والجغرافية بينها..
– العمل على التعريف بالتاريخ الدموي المطرد لليهود (قتلة الأنبياء) وأنهم قوم بهت ينقضون العهود، فلا ذمة لهم، ولا أمان معهم..وذلك من خلال الندوات والدراسات ونشر الأبحاث المنجزة في هذا الإطار.
– توعية النشء بحقيقة أن أغلب المنظمات الدولية خصوصا التابعة للأمم المتحدة ما أنشئت إلا من أجل خدمة مصالح مؤسسيها الذين صاروا لا يستطيعون أن يسوسوا شؤون دولهم دون إرضاء اليهود ولو كانوا ظالمين.
– توجيه الإعلام لخدمة مصالح الأمة الإسلامية وعلى رأس ذلك الدعوة إلى التمسك بأحكام الإسلام في القول والعمل والمعتقد، وخدمة القضية الفلسطينية التي صارت قضية الأمة بعدما استولت أمة الشتات على أرض فلسطين..، وهذا للأسف يغيب عن إعلامنا الوطني، ففي الوقت الذي بثت فيه العديد من القنوات الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن احتلال فلسطين وعن المجازر الصهيونية اشتغلت القناتان الوطنيتان بالترهات..
– صناعة إعلام ملتزم بالإسلام، وصياغة خطاب إعلامي إسلامي متجدد ومتطور، مع اعتماد أساليب حديثة للتواصل، ووضع خطط فعالة لإسماع صوت العالم الإسلامي، وشرح مواقفه، ونصرة قضاياه الشرعية، وفضح المناورات، ومحاولات الاستلاب، بكل أنواعه، والغزو الفكري المقنع بالشعارات..
– التوجه نحو التكتلات الإسلامية لتكوين اقتصادات قوية تستطيع بها الدول الإسلامية التغلب على العجز الذي يجعل الكثير منها يذعن لأجندة الاقتصاد الغربي، واستغلالها في الضغط على العدو في حالة استهدافه للمقدسات الإسلامية..
– قطع التعلق بمبادرات السلام المزعومة مع الصهاينة والأنظمة التي تعمل على إفساد منظومة القيم الإسلامية عن طريق تصدير المفاهيم الهدامة، والتي تشجع تنصير المجتمعات الإسلامية..
وأخيرا تربية النشء على ثقافة الصمود ومواجهة العدو لتحرير الأرض المغتصبة، وإعزاز القيم الإسلامية في قلبه..، فالنصر قادم حتى لا ننسى غزة..