هنا بين أحضان جبال الأطلس المتوسط الذي جمع كل المتناقضات، والذي عرف بأعتى وأقوى المقاومات التي شهدها المغرب، هنا لقي المستعمر الفرنسي أكبر هزيمة في معركة الهري، وهنا كذلك يموت العشرات من الأطفال سنويا بسبب شدة البرد والفقر المدقع، هنا حيث النسيان والعزلة، وهنا كذلك تدور أشرس الصراعات الفكرية بين ما هو إسلامي وبين الحركات الأمازيغية ذات الطابع العلماني، وهنا حيث يبيع الأب ابنته وعرضه بأبخس الأثمان.
وهنا اليوم كما بالأمس تدور رحى حرب من نوع آخر: حرب الجمعيات والمنظمات التنصيرية التي وجدت من المنطقة الوسط الملائم بسبب تضافر كل شروط نجاحها، فنسبة الفقر أكثر من 80 %والجهل والأمية قد يصل إلى 90% وأعني به الجهل بأمور الدين والشريعة.
هنا تنشط مجموعة من الجمعيات التي تغطي نشاطاتها التنصيرية بغطاء المساعدة الاجتماعية والاقتصادية لهذه المناطق التي يموت سكانها إما بسبب الجوع أو انعدام المستشفيات والأدوية، خصوصا في موسم الثلوج الذي تصبح فيه هذه المناطق في عزلة تامة عن العالم الخارجي، فتأتي هذه الجمعيات ومعها ما يحتاجه السكان من ملابس شتوية وأغطية فاخرة وأدوية بمختلف أنواعها، بل وبمستشفيات متنقلة أحيانا.
لكن السؤال الذي يشغل البال يتمحور حول السبب الحقيقي الذي يجعل هؤلاء الشباب يتركون بلدانهم الراقية ليأتوا للعيش في أقاصي “تونفيت” أو “انفكو” التي تخلى عنها معظم أهلها وهجرها سكانها، الجواب أن الذي أتى بهؤلاء وجعلهم يستبدلون نعيم أوروبا بجحيم الأطلس هو العقيدة والانتصار لها والعمل على نشرها إن هذه الجمعيات تحاول استغلال الفقر والحرمان والنسيان الذي يعيشه سكان هذه المناطق لدفعهم إلى تبديل دينهم والارتداد عن الإسلام، فهذه الجمعيات تنطلق في كل رحلة لها من الكنيسة بميدلت بعد أن تتلقى التعليمات والإرشادات من رجال الدين هناك ثم إنها لا تقصد إلا المناطق الأمازيغية التي تغلغل فيها الفكر الأمازيغي، ومع كل كيس مساعدات يتم إعطاؤه للسكان يهدى إنجيل باللغة العربية مرفوقا بمجموعة من الأقراص المدمجة التي تحوي ترجمة كاملة له باللغة الأمازيغية.
كما أن هذه الجمعيات تركز بشكل كبير على الجانب النسوي في محاولة للنهوض بالمرأة القروية على حد زعمهم وكذا العمل التلمذي وقد نجحت هذه الجمعيات في كثير من الأحيان في اصطياد شباب ضعيفي الإيمان لكن طبعا ليس الذي جعل هؤلاء الشباب يغيرون دينهم اقتناعهم بهذا الدين أو أنهم وجدوا فيه ما لم يجدوه في الدين الإسلامي لا، بل إن السبب هو الحلم بالهجرة إلى أوروبا والإغراءات المادية الكبيرة التي تعرض عليهم، وهو ما حكاه لي أحد السكان أن عددا كبيرا من سكان المنطقة تنصر طمعا في الهجرة إلى أوروبا وطمعا في الخروج والهروب من الفقر والحرمان الذي تعرفه هذه المناطق كل هذا يتم تحت أنظار وأسماع السلطات المحلية دون تحريك ساكن لأن هؤلاء الجمعيات توفر لهؤلاء السكان ما تعجز الدولة عن إيصاله لهم في كثير من الأحيان.
واليوم إن كنا نذكر بطولات الجهاد بالمنطقة ضد الاستعمار الفرنسي في بداية الثلاثينات من القرن الماضي فإننا نحتاج جهادا جديدا ومدافعة من نوع آخر ضد المد التنصيري بهذه المناطق الذي أصبح يهدد وحدتنا الدينية والعقدية وحماية لبلدنا الذي ارتضى الدين الحق واعتنق الحنيفية السمحاء منذ قرون خلت وسيبقى كذلك بإذن الواحد الأحد إلى أن تقوم الساعة.