اللباس ضرورة من ضروريات الحياة، ارتبط بالوجود الإنساني كما قال الله تعالى في بداية الخلق مخاطبا آدم عليه السلام: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى}.
ويتجلى هذا الارتباط في حاجة الإنسان لحماية بدنه من المؤثرات المناخية، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَل َلَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ َلعلكم تُسْلِمُونَ}، كما يظهر ذلك في الغاية الأساس منه ألا وهي المحافظة على الاحتشام وتحقيق الستر لعلاقة اللباس بالفطرة السليمة النقية، كما قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
إلا أن أنماط الألبسة وأشكالها تتطور وتختلف باختلاف الزمان والمكان، مع أن هذا التحول قد يكون محمودا أو مذموما بحسب خروجه عن حد الغاية الأساس منه، أو محافظته على ذلك.
وقد ارتبط التطور للباس في العقود الأخيرة، خاصة في صفوف النساء بالموضة وعالم تصميم الأزياء، وكانت بداية ذلك حينما ظهرت معالم الحضارة الخداعة، والرقي الزائف في أوروبا مع قوتها وفرض سيطرتها، حيث أعطت المرأة الحرية اللامحدودة، فأخرجتها من ثوب الطهارة وألبستها ثوب التحرر القاتل، ثم سعى بعد ذلك أعداء المرأة المسلمة في البلاد الإسلامية إلى تغريبها ومسخ فطرتها وساعد على ذلك أذنابهم من أبناء جلدتنا فصرفوا المرأة عن العفة والستر إلى التفسخ والتردي في المنحدر الذي تردت فيه المرأة في ديار الكفر، فقدموا لها الإغراءات الدنيوية المثيرة، والزخارف الفانية، و”الموديلات” الجذابة الكذابة!!، والنماذج الفاضحة الفادحة التي تؤجج الشهوات، وتحمل على قلة الحياء من رب الأرض والسماوات.
وليعلم أن تطور اللباس من وقت لآخر، وأثر اختلاف الأعراف والعادات في ذلك من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان، وقد قرر ذلك فقهاء الإسلام بناء على اعتبار قاعدة “العادة محكمة”، مع أن الأعراف والعادات ليست بحد ذاتها أحكاما شرعية ولكنها متعلق ومناط للحكم الشرعي فتأمل.
وبناء عليه أوجب الفقهاء على المفتي والناظر صاحب الأهلية معرفة العرف ومراعاة تغير الأزمان والأماكن وعدم الجمود على المسطور في الكتب فيما يخص الأحكام المترتبة على العوائد. انظر الفروق للقرافي رحمه الله 1/176-177.
إلا أن أرباب العلمنة في بلاد الإسلام حملوا كعادتهم معاول الهدم بعد أن وجَّهوا وجوههم نحو المشرق والمغرب قائلين لأسيادهم هناك: {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ}، فأطاعوهم في كل الأمر، فبثوا شبهتهم الهاوية، والتي خلاصتها: أنه ما دام أمر اللباس خاصة بالنسبة للنساء له متعلق باختلاف الأعراف فللمرأة أن تلبس ما شاءت وكيف شاءت، فإن لها الحرية المطلقة في ذلك ولو خرجت شبه عارية أو عارية! ولا علاقة لهذا الأمر بالحكم الشرعي بناء على أصل تطور الألبسة!!
وأصل القضية راجع عند هؤلاء إلى الإعراض عن الأحكام المقررة في التشريع الإسلامي، ذلك أن اللباس مع تطوره وأثر العرف فيه إلا أن الشرع يحيطه بقواعد كلية، وضوابط عامة تحكم تصرفات المرأة مثلا في لباسها حتى لا تنحرف وتنحل في أخلاقها، ويرق تدينها، ولذلك قرر العلماء رحمهم الله أن العرف ينقسم إلى قسمين: عرف صحيح، وعرف فاسد، وهذا الأخير هو الذي خالف نصا من نصوص الشرع، أو قاعدة من قواعده المعتبرة.
فتطور اللباس بالنسبة للمرأة المسلمة خاصة، من “الحايك” مثلا إلى “الجلباب”.. لا ضير فيه ولا بأس ما دام هذا الجلباب اِلتزمَت فيه الشروط الشرعية المقررة، فيعتبر تغير العرف، مع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك، وإلا إذا لم تكن هذه الأخيرة محققة فإن العرف فاسد لا يجوز اعتباره بحال بإجماع العلماء كما حكاه غير واحد منهم الإمام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي، وابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، وانظر العرف والعمل في المذهب المالكي، حتى صرنا نرى الجلباب المفضوح الذي يبدي مفاتن المرأة، بل تطور الأمر إلى أقبح من هذا بكثير ..نسأل الله السلامة.
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن لباس المرأة المتطور! الخارج عن حدود الشريعة حيث قال: “صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا” رواه مسلم.
قال الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله: “وأما معنى قوله: (كاسيات عاريات) فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة” التمهيد 13/ 204.
فظهر بهذا الفرق بين من يقول بتطور اللباس لحمل الناس عموما والمرأة خصوصا على العري الفاضح، والتهتك السافر، وبين من يقول بالتطور مع ضبطه بالضوابط الشرعية حتى تتحقق الحشمة والستر والوقار والله المستعان.