“أتعرفون من هو هذا العبد الأسود الذي يخاطبكم برسالته هذه ويفزعكم بخيالاته الواهية المكشوفة؟
أتعرفون أنه لا أصل ولا نسب له، وأنه من العبيد التي تباع وتشترى في الأسواق، مثل البقر والغنم؟
أتعرفون من هو سيده ومالكه الذي بعثه للقضاء على شخصيتكم وقوميتكم ومحو أثر معنويتكم أمام القبائل الريفية كلها، بعدما كانت شخصيتكم وشجاعتكم مشهورة يعترف بها الخاص والعام، لا يختلف فيها اثنان؟
ألا وهو (بوحمارة) اسم لإناث جنس الحمير، لا لمذكره، وهو الذي سمى نفسه زورا وبهتانا بمولاي محمد بن مولاي الحسن” الفقيه محمد بن السيد حدو العزوزي من بني ورياغل التي هزمت بو حمارة، انظر كتاب “أسد الريف محمد عبد الكريم الخطابي” الصفحة 35.
بعدما تخلص أحماد بن موسى من آل الجامعي التفت إلى الأمير عمر بن المولى الحسن الذي ثارت ثائرته بعد تعيين أخيه الأصغر سلطانا على المغرب، حيث أبعده إلى مدينة مكناس، أما خدمه ومنهم المهدي لمنبهي، والجيلالي بن إدريس “أبو حمارة” اللذان كانا على هوى أميرهما فسجنا مدة غير طويلة، ولما سرحوا عرف لمنبهي كيف يتقرب إلى أحماد بن موسى والمولى عبد العزيز، أما الزرهوني أبو حمارة فلم يتمكن من ذلك.
وبعد وفاة أحماد بن موسى وتحول السلطة إلى السلطان عبد العزيز فإنه وبتأثير الضابط “ماكلين” أسند منصب وزير الحرب إلى المهدي بن العربي لمنبهي ولعل هذا من السلطان الشاب العديم التجربة بتدبير من أياد خفية لها المصلحة في ذلك، وهنا تذكر الجيلالي الزرهوني ما مضى له من صحبة مع لمنبهي الذي قضا وإياه فترة في السجن إثر تنصيب عبد العزيز فقصده وكله أمل في أن يجد فيه ما يؤمل من خير، لكن “الوزير” قابله بالصدود وعدم الاكتراث أكثر من مرة، وآخر مرة وهي التي خاطبه فيها بالاسم حتى يتعرف عليه استنكف لمنبهي وأمر بعض حاشيته بطرده، وفي هذه اللحظة أقسم الجيلالي يمينا ليرجعن “أميرا حيث صار رفيقه لمنبهي وزيرا”.
فقام الجيلالي من حينه يجوب البلاد في صفة الزاهد الورع يدعو إلى الله حيث دخل الجزائر وتردد على وهران ومعسكر، ولقي أبا محمد عبد القادر بن عدة، ولازمه مدة فبث له الشيخ من تعاليم ما صيره متأهلا لإيقاد نيران الفتن بالأرض المغربية، ثم رجع بعدها على المغرب وقد كون معرفة بفنون السحر لكي يخدع بها الناس، وتوجه إلى قبيلة لحياينة عام 1320هـ/1902م، فصادفه في هذه القبيلة موسم أبي عبد الله محمد بن الحسن الجناتي معمورا بجموع القبائل، فأخذ ينشر بينهم معايب الدولة، ويحبب لهم الخروج على المخزن، وادعى أنه هو محمد بن السلطان المولى الحسن، وأنه ما أخفى اسمه إلا خوفا على نفسه ممن استولى على ملك والده واستبد به..وسرعان ما وجد استجابة من قبائل غياثة والتسول والبرانس وصنهاجة فبايعوه.
والذي ساعد الجيلالي الزرهوني أبو حمارة على بسط نفوذه عدة عوامل منها:
ـ عملت فرنسا على نشر الفوضى وتقوية الفتن ومد أبي حمارة بالقوة الكافية للقضاء على قوة الدولة، كما قامت بزرع ضباط فرنسيين لقيادة جيش أبو حمارة من أشهرهم الفرنسي المتنكر “غابرييل ديلبريل”.
ـ ارتكاب العميل لمنبهي وجيشه لفظائع كانت في صالح الفتان أبي حمارة.
ـ عدم قيادة السلطان عبد العزيز لجيشه بيده.
ـ تعيين السلطان عبد العزيز لأخيه الأمير عبد الرحمن المسمى مولاي الكبير على رأس بعض الجيوش لمحاربة أبي حمارة، وذلك في الوقت الذي كان عبد الرحمن هذا مكروها وغير محبوب من كثير من قبائل الشمال بدءا من بني حسن إلى الحياينة وما حولها من قبائل.
ـ ذهاب السلطان إلى مراكش في الوقت الذي توجه الجيش الذي قاده عبد السلام لمراني ليلتحق بجيش الأمير عبد الرحمن، فأشاع القوم أن السلطان ما توجه إلى مراكش إلا خوفا من أخيه محمد (أبو حمارة)، فكانت هزيمة كبرى لجيوش السلطان قرب قصبة بني مطير.
وهكذا دفعت فرنسا المغرب ليقع تحت رحمة ثورة الفتان الذي كونته وسلحته ثم مدته بالمال لتجعل منه وسيلة أقرب للقضاء على كل إمكانات الدولة إلى جانب إمكان الخوض حسب السياسة المطلوب ترويجها في المغرب، بل كما تدلنا الوثائق المحفوظة بوزارة الخارجية الفرنسية والمغرب، ولم تكتفي فرنسا بهذا بل فرضت على المغرب عدم شرائه الأسلحة إلا منها حتى يصبح تسليحه وقفا عليها وتمنعه في الوقت المناسب.
واستمر وجود أبي حمارة إلى قيام الثورة الحفيظية لتكون نهايته على يد القائد الناجم رحمه الله الذي ألقى عليه القبض يوم 5 شعبان 1327هـ/22 غشت 1909م وقد كانت نهايته إثر الهزيمة التي مني بها على يد قبيلة بني ورياغل الريفية.
قصة “أبو حمارة” الجيلالي الزرهوني
“أتعرفون من هو هذا العبد الأسود الذي يخاطبكم برسالته هذه ويفزعكم بخيالاته الواهية المكشوفة؟
أتعرفون أنه لا أصل ولا نسب له، وأنه من العبيد التي تباع وتشترى في الأسواق، مثل البقر والغنم؟
أتعرفون من هو سيده ومالكه الذي بعثه للقضاء على شخصيتكم وقوميتكم ومحو أثر معنويتكم أمام القبائل الريفية كلها، بعدما كانت شخصيتكم وشجاعتكم مشهورة يعترف بها الخاص والعام، لا يختلف فيها اثنان؟
ألا وهو (بوحمارة) اسم لإناث جنس الحمير، لا لمذكره، وهو الذي سمى نفسه زورا وبهتانا بمولاي محمد بن مولاي الحسن” الفقيه محمد بن السيد حدو العزوزي من بني ورياغل التي هزمت بو حمارة، انظر كتاب “أسد الريف محمد عبد الكريم الخطابي” الصفحة 35.
بعدما تخلص أحماد بن موسى من آل الجامعي التفت إلى الأمير عمر بن المولى الحسن الذي ثارت ثائرته بعد تعيين أخيه الأصغر سلطانا على المغرب، حيث أبعده إلى مدينة مكناس، أما خدمه ومنهم المهدي لمنبهي، والجيلالي بن إدريس “أبو حمارة” اللذان كانا على هوى أميرهما فسجنا مدة غير طويلة، ولما سرحوا عرف لمنبهي كيف يتقرب إلى أحماد بن موسى والمولى عبد العزيز، أما الزرهوني أبو حمارة فلم يتمكن من ذلك.
وبعد وفاة أحماد بن موسى وتحول السلطة إلى السلطان عبد العزيز فإنه وبتأثير الضابط “ماكلين” أسند منصب وزير الحرب إلى المهدي بن العربي لمنبهي ولعل هذا من السلطان الشاب العديم التجربة بتدبير من أياد خفية لها المصلحة في ذلك، وهنا تذكر الجيلالي الزرهوني ما مضى له من صحبة مع لمنبهي الذي قضا وإياه فترة في السجن إثر تنصيب عبد العزيز فقصده وكله أمل في أن يجد فيه ما يؤمل من خير، لكن “الوزير” قابله بالصدود وعدم الاكتراث أكثر من مرة، وآخر مرة وهي التي خاطبه فيها بالاسم حتى يتعرف عليه استنكف لمنبهي وأمر بعض حاشيته بطرده، وفي هذه اللحظة أقسم الجيلالي يمينا ليرجعن “أميرا حيث صار رفيقه لمنبهي وزيرا”.
فقام الجيلالي من حينه يجوب البلاد في صفة الزاهد الورع يدعو إلى الله حيث دخل الجزائر وتردد على وهران ومعسكر، ولقي أبا محمد عبد القادر بن عدة، ولازمه مدة فبث له الشيخ من تعاليم ما صيره متأهلا لإيقاد نيران الفتن بالأرض المغربية، ثم رجع بعدها على المغرب وقد كون معرفة بفنون السحر لكي يخدع بها الناس، وتوجه إلى قبيلة لحياينة عام 1320هـ/1902م، فصادفه في هذه القبيلة موسم أبي عبد الله محمد بن الحسن الجناتي معمورا بجموع القبائل، فأخذ ينشر بينهم معايب الدولة، ويحبب لهم الخروج على المخزن، وادعى أنه هو محمد بن السلطان المولى الحسن، وأنه ما أخفى اسمه إلا خوفا على نفسه ممن استولى على ملك والده واستبد به..وسرعان ما وجد استجابة من قبائل غياثة والتسول والبرانس وصنهاجة فبايعوه.
والذي ساعد الجيلالي الزرهوني أبو حمارة على بسط نفوذه عدة عوامل منها:
ـ عملت فرنسا على نشر الفوضى وتقوية الفتن ومد أبي حمارة بالقوة الكافية للقضاء على قوة الدولة، كما قامت بزرع ضباط فرنسيين لقيادة جيش أبو حمارة من أشهرهم الفرنسي المتنكر “غابرييل ديلبريل”.
ـ ارتكاب العميل لمنبهي وجيشه لفظائع كانت في صالح الفتان أبي حمارة.
ـ عدم قيادة السلطان عبد العزيز لجيشه بيده.
ـ تعيين السلطان عبد العزيز لأخيه الأمير عبد الرحمن المسمى مولاي الكبير على رأس بعض الجيوش لمحاربة أبي حمارة، وذلك في الوقت الذي كان عبد الرحمن هذا مكروها وغير محبوب من كثير من قبائل الشمال بدءا من بني حسن إلى الحياينة وما حولها من قبائل.
ـ ذهاب السلطان إلى مراكش في الوقت الذي توجه الجيش الذي قاده عبد السلام لمراني ليلتحق بجيش الأمير عبد الرحمن، فأشاع القوم أن السلطان ما توجه إلى مراكش إلا خوفا من أخيه محمد (أبو حمارة)، فكانت هزيمة كبرى لجيوش السلطان قرب قصبة بني مطير.
وهكذا دفعت فرنسا المغرب ليقع تحت رحمة ثورة الفتان الذي كونته وسلحته ثم مدته بالمال لتجعل منه وسيلة أقرب للقضاء على كل إمكانات الدولة إلى جانب إمكان الخوض حسب السياسة المطلوب ترويجها في المغرب، بل كما تدلنا الوثائق المحفوظة بوزارة الخارجية الفرنسية والمغرب، ولم تكتفي فرنسا بهذا بل فرضت على المغرب عدم شرائه الأسلحة إلا منها حتى يصبح تسليحه وقفا عليها وتمنعه في الوقت المناسب.
واستمر وجود أبي حمارة إلى قيام الثورة الحفيظية لتكون نهايته على يد القائد الناجم رحمه الله الذي ألقى عليه القبض يوم 5 شعبان 1327هـ/22 غشت 1909م وقد كانت نهايته إثر الهزيمة التي مني بها على يد قبيلة بني ورياغل الريفية.