كلما تقدم العلم أكثر كلما اكتشفنا عظمة وروعة النظم التي جاء بها ديننا الحنيف، فالإسلام الذي حرم الخمر قبل أربعة عشر قرنا حرمها وهو يقر أن فيها منافع للناس، لكن منفعتها مرجوحة بضرر وشر كبير، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}.
واليوم تجلت أمام أعيننا الحقائق حتى أضحت لنا علم يقين، وها هو الغرب الذي أباح بيع الخمور وإشهارها بالأمس يعاني من الآثار السلبية لانتشارها في المجتمع.
فقد دفعت الآثار الصحية السلبية المترتبة على تناول الخمور حكومات غربية إلى اتخاذ تدابير للحد من معدلات تناول مواطنيها لهذه المشروبات التي كلفت الخزانة البريطانية وحدها 2.7 مليار جنيه إسترليني (حوالي 4.4 مليارات دولار) العام المنصرم لعلاج أمراض ذات صلة بتناول الخمور.
وذكرت صحيفة الـ”يو.إس.إيه توداي” أن بريطانيا التي ترتفع فيها نسبة تعاطي المواطنين للخمور أكثر من أي بلد أوروبي آخر، تعاني من ضغط غير مقبول على المستشفيات بسبب المشكلات الصحية المترتبة على زيادة معدلات تناول الخمور بين مواطنيها، الأمر الذي جعلها تبحث بشكل جدي رفع أسعار الخمور للحد من استهلاكها.
وأكدت الصحيفة أن نظام الرعاية الصحية في بريطانيا، الذي يعاني في الأصل من ضائقة مالية بسبب تأثيرات الأزمة المالية العالمية، تكلف في العام الأخير حوالي 2.7 مليار جنيه لعلاج أمراض ذات صلة بتناول الخمور.
ومثلت هذه الأموال ما نسبته حوالي 2.7% من إجمالي الموازنة السنوية لنظام الرعاية الصحية البريطاني، والذي تبلغ ميزانيته السنوية نحو 100 مليار جنيه (حوالي 162 مليار دولار)، وهي ضِعْف النسبة السنوية لكلفة علاج الأمراض الناتجة عن تناول الخمور منذ خمس سنوات، بحسب تقرير حديث مشترك لنقابة العاملين في حقل الخدمات الطبية البريطانية والكلية الطبية الملكية البريطانية.
وحذر التقرير من أن نحو 10.5 ملايين شخص من البالغين في بريطانيا يمثلون أكثر من 17.2% من سكانها البالغين أكثر من 61 مليون نسمة، يشربون الكحوليات بمستويات “فوق حدود المعقول”، وأن 1.1 مليون شخص يعانون من أحد أشكال الإدمان على الكحول، يمثلون 1.8% من تعداد سكان بريطانيا.
وفي دلالة على عمق هذه المشكلة في بريطانيا أشارت الصحيفة الأمريكية إلى نتائج دراسة أجراها أحد المستشفيات في مدينة ليدز شمال شرق إنجلترا، وجدت أن جميع الحالات التي وردت إلى أقسام الطوارئ بها في الشهور الأربعة الأخيرة من العام كانت لأسباب متعلقة بتناول الخمر.
وأكدت وزارة الصحة البريطانية في بيان لها السبت 2-1-2010 ما ذهبت إليه نتائج هذه الدراسة؛ حيث وصفت مستويات دخول المواطنين البريطانيين للمستشفيات بسبب الأمراض الناتجة عن تناول الكحوليات بأنها “مرتفعة بشكل غير مقبول”.
وبحسب الإحصائية نفسها فإن الوفيات في بريطانيا نتيجة أضرار الخمور بلغت 8758 حالة وفاة في الفترة ما بين عامي 1991 و2006.
ولا تعتبر هذه المشكلة قاصرة على بريطانيا وحدها؛ حيث انتبهت حكومات أوروبية أخرى للأضرار الصحية المترتبة على الإفراط في تناول المشروبات الكحولية، خصوصا في المناسبات، مثل رأس السنة الميلادية، وبدأت في اتخاذ إجراءات للحد من تناول الخمور.
ففي روسيا بدأت موسكو أول أيام العام الجديد، في تطبيق قرار للرئيس الروسي “ديمتري ميدفيديف” برفع أسعار الخمور من خلال وضع حد أدنى لأسعار الفودكا -الذي تزيد فيه نسبة الكحول على 90%- في إطار حملة لمكافحة إدمان الخمور.
وزادت الحكومات الأوروبية في الأشهر الأخيرة من حملاتها للتوعية بأضرار الإفراط في تناول الخمور والكحوليات بعد أن رفعت نسبة الوفيات بين متعاطيها، خصوصا في أوساط الشباب؛ حيث كانت السبب الثاني بعد المخدرات في وفاة أكثر من 137 شخصا في العاصمة الألمانية برلين في الفترة من يناير إلى نوفمبر من العام الماضي بسبب التعاطي المفرط للمخدرات والكحول.
كما تعتبر الخمور هي السبب الأول لحوادث الطرق في فرنسا؛ حيث ذكرت مصادر في وزارة الصحة الفرنسية مؤخرا أن عدد الوفيات نتيجة حوادث السير خلال العام 2009 بلغ نحو أربعة آلاف وأربعمائة شخص، بينما بلغ عدد الجرحى حوالي ستة وتسعين ألفا، موضحة أن الخمر كانت على رأس الأسباب في غالبية هذه الحوادث.
ووفقاً لدراسة صادرة مسبقا عن الوزارة الفرنسية للتضامن الاجتماعي فواحدة من بين كل عشر فرنسيات تعرضت لاعتداء جنسي مرة في حياتها، وأن الأغلبية الساحقة من الاعتداءات البدنية والجنسية تتم داخل الأسر وليس خارجها، وأن شرب الخمر كان سببا في ربع حالات الاعتداء على النساء.
إن الغرب البراغماتي -الذي يحتسي الخمور على موائده كاحتسائه الماء- بات يدرك أن الخمر هو السبب الرئيس وراء العديد من جرائم العنف والقتل والاغتصاب، ووراء العديد من الأمراض العضوية كالسرطان..، وهو يسعى اليوم إلى التقليل من مبيعاتها ورفع رسومها ومنع إشهارها، في الوقت نفسه الذي نجد فيه -مع الأسف الشديد- بعض بني جلدتنا من المغاربة يتغافلون ويتعامون عن كل المعضلات التي يخلفها انتشار الخمر، ولا يعبؤون إلا بما سيدخل جيوبهم من وراء هذه التجارة المحرمة.