هذه قصيدة كتبها الفقيه البارع الواعية محمد رشاد السوسي حفظه الله قبل ما يزيد عن عشرين سنة نصرة للحق وذبا عن سنة من سنن المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وهي سنة القبض أو وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، ردا على فقيه مدرسة أورير سعيد بن أحمد التوافا لعزتي أصلحه الله وغفر لنا وله؛ بعد انتكاس هذا الأخير عن السنة والتزامه التعصب ونشر الأوهام، وإصداره لفتوى أوهى من بيت العنكبوت حاول فيها لي أعناق النصوص الواردة في سنة القبض، وإثبات السدل مكانه بشبه واهية لا تنطلي على من له أدنى معرفة بالعلم الشرعي وقد فرح المخلفون بهذه الكلمات المزخرفة وحملوها على محمل من ذهب يتباهون بسرابها، ويسكتون بها العوام تلبيسا وتضليلا.
وكنت أعتقد أن هذا الموضوع قد نفض الناس أيديهم من تدارسه ومناقشته فأصبح في عقول الناس كالأمس الذاهب، إلا أني رأيت وسمعت أناسا هداهم الله مازالوا يعزفون على وتر المذهبية المقيتة همهم الوحيد إرجاع الناس إلى عصور الظلام والجمود والتقليد الأعمى. بعضهم من المتعالمين الذين لا دراية لهم بأبجديات العلم الشرعي أمثال ذاك المتعصب المفتي بالإذاعة الأمازيغية المدعو أعمون مولاي البشير هداه الله الذي مافتئ يبيح للناس التمسح بالقبور والصلاة عليها ويعلن حربا هوجاء على السنة وأهلها بدعوى وحدة المذهب والمشرب، وقد كتب رسالة أسماها “النقول المنتقاة بأدلة سنية السدل في الصلاة ” -عندي نسخة منها بخط يده- ملأها جهلا وكذبا وزورا وافتراء على السلفيين.
والبعض الآخر للأسف الشديد من أهل العلم الذين كنا نظنهم من حماة المنهج السلفي الذابين عن الكتاب والسنة، ركبوا سفينة المذهبية فأصبحوا حربا على السنة وأهلها سيوفا للبدع وأهلها ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
..ومن هؤلاء فضيلة الشيخ صالح الأسمري هداه الله الذي حق فيه قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه” وذلك في محاضرته التي ألقاها بمدينة كلميم المغربية تحت عنوان: “وجوب التمذهب” بين إخوة يزعمون أنهم من أتباع المنهج السلفي شعارهم كلمة ابن وهب رحمه الله: “لولا مالك والليث لضللنا” فخرجوا بعد المحاضرة لأيديهم يسدلون وعلى السذج والدهماء يدلسون، وليتهم وقفوا عند هذا الحد، بل انقلبوا دعاة لعقائد أهل الكلام وبدأوا ينشرون بين صفوف الشباب هذه السموم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فهذه القصيدة قد هدت صروح المتعصبة هدا، وأتت على بنيانهم من القواعد، سيما وكاتبها سوسي معروف بالعلم ورسوخ القدم، أتى فيها رحمه الله بما يحسن السكوت عليه في هذا الباب ولله الحمد والمنة، وقد سطرت عليها شرحا موجزا يحل رموزها، ويقرب مضامينها وسميته “متعة الأماسي في شرح قصيدة محمد رشاد السوسي”.
وهذا نص القصيدة: قال حفظه الله وبارك في عمره:
حـمـدا لله تقـديـمه تـزيـد *** به النـعماء يبـدأ بـه السعـيد
صـلاة ثـم يتـبـعـها سـلام *** على المخـتار ليـس لها عديـد
مـع الأهل الكرام وتابعـيـهم *** ومن بالـدين يعـتـز أو يـذود
أنـكرا بعـد مـعرفة تـريـد *** لـقد أتعـبت نفسك يا سـعيـد
أليس القبض من سنن الرسـول *** أتنـكـره ومـصـدره أكـيـد
تـعـادي الله إرضـاء لـقـوم *** أعـد نـظرا لعـلك تسـتفيـد
ولا تسـلـك سبـيل القوم مما *** أشـاعـوا أنـه ديـن جـديـد
فـفي كتب الأوائـل من قـديم *** جـلاء الشك والعلـم السـديـد
فـذاك موطـئا ينـبـئك حـقا *** روايـتـه الأخـيرة لا تـميـد
ولا تغـفل مدونـة فـفـيها *** حـديث القبـض يلمسه الرشـيد
أبـو داود إن أصـغـيت فيـه *** يزل عنك الشكـوك فـلا تحـيد
كذاك الـترمذي فادخـل حمـاه *** ولا تعـجـز فيشـملك الوعـيد
وإن تبـحث ففي سنن ابن ماجة *** دلـيل القـبض يلمـسه الرشيـد
وما نـسبوا للدارقطـني فاقـرأ *** فـفي صفـحاته الفـعل الحمـيد
ومـسـند أحـمد أوفى بـيانـا *** فـزره فــإنـه ركـن شـديـد
وفي سبـل وفي الأوطار عـلم *** عزيـز ليـس يحـرمه السـعيـد
وفي كتـب المعافري وابن رشد *** وعـيـاض وبـنـانـي شهـيـد
وفي التـوضـيح أتحفنا خـليل *** فغص في الكتب إن ضعف الرصيد
وللمـسنـاوي بحـث مـفيـد *** أشــاد بفضـله خـلـق عديـد
وما فـي السدل حقق من حديث *** وقد أعـيى الفـطاحل ما تـريـد
ولو أنـصفت قلت بكـل صدى *** دلـيل السـدل مـخـتـلق بعـيد
ولا تـلو اللـسان بكـل ميـل *** فـإن الحـق مسـلـكـه وحـيد
ولا تـقـنع بـسـدل يـد وإلا *** رددت المـاء إن وجـد الصعـيد
ولا تنسـب لطيبة فـعل سـدل *** فـذاك الـزور والرأي الكـسيد
وفي التمهيد ما يغني ويـشـفي *** وللـحـجـوي إيـضاح وطـيـد
ومن قرأ الصوارم فـي هـدوء *** ولم يفـهم فـذاك هـو البـليـد
وفتوى السدل والإرسـال جهل *** يـضيع بما تضـمـنها العـبـيد
وسفسـطة المرء وإن تـباهـى *** كجـعجعة بـلا طـَحَن يـفـيد
ولا تحسب وبعـض الظن إثـم *** فـإن الحـق يجـهـلـه العنـيد
ولا تغــتر إن كـذبوا وقـالوا *** مسـيحي أو وهـابي أو مـريـد
فتلك وسـاوس الشيـطان تبـغي *** مسـودة صـحـيفة مـن يـزيد
نصحتك إن قبـلت فذاك ظـني *** وإن تـرفـض فمـعذرة سعـيد
وصلِّ على النـبي الخالق ربي *** وسـلم واحـمـنا مـمن يـكـيد