المجتمع المغربي مجتمع أخلاق فطرية زكاها الإسلام مذ دخوله إلى هذه البلاد المباركة، وهي أخلاق تمثل مجموعة من القيم الإنسانية السليمة التي تحفظ الاجتماع البشري؛ وتحقق أساسيات العيش الكريم؛ ومثلت الأسرة الحاضنة الأساس لهذه الأخلاق عبر زمن سحيق ولا زالت.
ولهذا نصف الأسرة دائما أنها نواة المجتمع؛ فبدون هذه النواة لا يمكن بناء المجتمع؛ المجتمع هو الأب والأم والأبناء والحفدة والذرية؛ وما ينتج عنها من أنساب وأصهار تؤطر العلاقة بينهم الميثاق الأخلاقي المتعارف عليه في الثقافة المجتمعية للشعب المغربي من قبيل: (الصواب)؛ (المعقول)؛ (الحشمة)؛ (الاحترام)؛ (التضامن)…وغيرها من القيم التي تجسد اللحمة الاجتماعية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)؛ رواه البخاري ومسلم؛ ولن نصل إلى تحقيق هذه اللحمة الاجتماعية دون الميثاق الأخلاقي الذي سيتأسس عليه البيت الأسري منذ يومها الأول.
من هنا كان لزاما على كل مسؤول مكلف بصياغة بنود مدونة الأسرة المغربية مراعاة هذه القيم الأخلاقية في بنودها؛ فبدون المسألة الأخلاقية لا يمكننا أبدا الحديث عن مدونة أسرية؛ بله الحديث عن الأسرة أصلا؛ ومن هذه القيم:
1- قيم الفضيلة: فمدونة الأسرة المغربية مبنية على الفضيلة؛ ومن هنا كرمت الزواج ودعت إليه باعتباره مقصدا للعفاف وتكثير سواد الأمة؛ فالنسل الحاصل من هذه الأسرة هو سواد المجتمع؛ إذا كان صالحا صلح المجتمع والعكس صحيح.
كما أن المدونة نبذت الزنا؛ واعتبره فاحشة مخربة للأسرة مدمرة للمجتمع؛ قد ينتج عنها أولاد غير شرعيين ينشؤون في ظروف غير ملائمة لا تحفظ حقوقهم؛ مما يجعل منهم عاملا سلبيا في انهيار المجتمع اجتماعيا وأخلاقيا.
2- قيم الفطرة: الفطرة الإنسانية السليمة متوافقة تمام التوافق مع القيم الأخلاقية في الكتاب والسنة؛ من ذلك أن مدونة الأسرة المغربية عرفت الزواج بأنه علاقة شرعية تجمع بين رجل وامرأة بهدف الاحصان وتكوين أسرة مستقرة؛ مما يعني مخالفة أي طرح شاذ يجعل من الزواج ميثاقا مخالفا للعقد الفطري المتوافق عليه بين كل الأمم والشعوب؛ كزواج اللوطيين والسحاقيات؛ وللأسف ورد في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مقترحات إصلاح مدونة الأسرة تعريف خطير للزواج؛ حيث عرفته أنه علاقة بين (أشخاص)؛ وليس بين (رجل وامرأة ) مما يمهد الطريق إلى تقنين هذا الزواج الشاذ الذي يقطع الأمل في التناسل البشري ويهدد الإنسانية بالانقراض والتخلف الحضاري.
3- قيم المحبة: وهذه القيم تتجلى في تنصيص مدونة الأسرة المغربية على أن الأسرة وما ينتج عنها من ذرية تجمع بين جميع أفرادها المحبة والمودة؛ وهذه القيم هي نتاج الأسس الأخلاقية الشرعية التي تأسست عليها الأسر المغربية؛ من قبيل تربية الأبناء؛ وبر الوالدين؛ وصلة الرحم؛ وهي قيم لا يمكن أبدا الحفاظ عليها إذا تمت الاستجابة للنزعة العلمانية في رؤيتها لمدونة الأسرة الجديدة؛ بمطالبتها بتقنين فاحشة الزنا (الحريات الفردية)؛ وهي قيم دخيلة تنسف القيم الفاضلة؛ فلا يمكن الحديث -مع تقنين فاحشة الزنا- عن تربية سليمة للأبناء؛ بل سنكون أمام معضلة أطفال الشوارع الذين يمتهن أغلبهم الانحراف السلوكي والأخلاقي؛ والبعض من هؤلاء الأطفال يضمر في نفسه كرها للمجتمع بسبب وضعيته الشاذة عن الجماعة، إن هذه الأفكار العلمانية التي تروم بعض الجهات إقرارها في المدونة المقبلة لا تصب في مصلحة المجتمع المغربي؛ لأنه مجتمع أسس علاقاته الأسرية على ميثاق أخلاقي مقدس لا يمكن التنازل عنه؛ ورحم الله أمير الشعراء لما قال:
وإنـما الأمــم الأخــــلاق ما بقيت فـإن هـم ذهـبت أخلاقهم ذهـبوا
وبالله التوفيق والسلام