إن الراصد لمشروع “الحركة النسوية العلمانية” في المغرب يخرج بملاحظات مهمة؛ أبرزها: استمرار الوفاء التام من هذه الحركة لمبادئ “الحركة النسوية الغربية” التي استطاعت أن تبسط نفوذها، وتتحالف مع صناع القرار؛ تحالفا تجلى بشكل واضح في (أطروحات) “هيئة الأمم المتحدة” التي تملى على الشعوب من خلال توصيات المؤتمرات العالمية المتعلقة بالمرأة.
وإذا كان علماء المسلمين ومنظماتهم وهيئاتهم قد بينوا الموقف الشرعي من الأصول والقواعد العامة المؤطرة لتلك (الأطروحات)، كما بينوا معارضتهم الشديدة لكثير من توصيات تلك المؤتمرات، وإلحاحهم على ضرورة بناء “مشروع إصلاح أوضاع المرأة” على الشريعة؛ فإن الحركة النسوية تبقى متنكرة لذلك كله، معرضة عن إعطاء هذا المطلب المشروع حقه من التقدير ومستحقه من الاعتبار.
وهذا الموقف نلمسه في تدبير نزهة الصقلي “وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن” لملف المرأة؛ فإنها ما فتئت تؤكد ولاءها الكامل للرؤية الغربية، واعتبار ما يصدر عن مؤتمرات المرأة أهدافا سامية وإجماعا عالميا يعلو فوق كل انتقاد .
وهنا نتساءل: لماذا تتنكر الوزيرة لموقف الشعب المغربي وعلمائه الرافضين للمنهجية المتبعة في تدبير ملف المرأة؟
وغاية ما سمعناه منها -في هذا الصدد-؛ نفيها أن تكون هناك نية لرفع كل التحفظات التي أبداها المغرب حول اتفاقية التمييز!
وهو ما يتنافى مع ما كشفه مختصر التقرير المغربي حول المرأة، المرفوع إلى الدورة الأخيرة للأمم المتحدة؛ من انحياز الوزيرة السافر إلى المنظمات الداعية للرفع الكلي لتلك التحفظات!!
وقد أبرزت وجهةَ نظر العلمانيين دون أن تشير إلى وجود مئات الجمعيات النسائية وغيرها التي تعارض قرار الرفع.
إن موقف الولاء الكامل من “الحركة” للرؤية العلمانية العالمية يعين على فهمه حجم الدعم السياسي والمادي والإعلامي الذي تحظى به تلك الحركة، والذي كان للصقلي -إحدى سليلاتها- منه حظ وفير (اختارتها الحكومة الدانماركية في 2008 من بين الشخصيات الاثني عشر المهمة المساهمة في النهوض بالمساواة بين الجنسين وتحرير المرأة/ تسلمت في 2009 بروما، جائزة “مينرفا أنا ماموليتا”، في صنف السياسة، اعترافا بجهودها في النهوض بأوضاع وحقوق المرأة والطفل).
والعجيب أنها تسلمت جائزة الدانمارك في الوقت الذي صدر من هذه الأخيرة، ما صدر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
ولعل ما يعرفه هذا الملف من ولاء لجهات أجنبية وإعراض عن المطالب الشرعية، هو ما دفع بنواب برلمانيين إلى مطالبة نزهة الصقلي بتمكينهم من النسخة الكاملة لتقرير المملكة المغربية الخاص بتقييم (بكين+15) الذي تم تقديمه لأشغال الدورة الرابعة والخمسين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة التي انعقدت ما بين 1 و12 مارس المنصرم.
وهنا تساءل كثيرون عن سبب تكتم الوزارة على هذا التقرير مع كونه عرض في المنتظم الدولي ، كما أبدت بعض الجهات ظنا مرجحا بقرائن، أن هذا التقرير اشتمل على رفع تحفظات إضافية، وهو ما نفته الوزيرة نفيا قاطعا، مسوغة التكتم بأن الحكومة لم تكن ملزمة بتقديمه أمام البرلمان.
وكيف ما كان الحال فإن التحيز للطرح العلماني والوفاء لمبادئ “الحركة النسوية الغربية” يبقى هو المؤطر والموجه لنضال الحركة النسوية العلمانية بالمغرب.
وهذا يضطرنا إلى التساؤل أيضا:
ما هو وزن الشريعة الإسلامية والفقه المالكي عند هذه الحركة؟
ما مدى حرص وزير الأوقاف على التزام الفقه المالكي وقواعده في هذا المجال، وما هي مواقفه في ذلك؟
لماذا يهمَّش المطلب الملح للمغاربة المتشبثين بشريعتهم، الموقنين بأنه لا صلاح لأوضاع المرأة إلا في ظل أحكامها العادلة المترفعة عن الأهواء والنزعات والمفهوم الفاسد لموضوع الحرية؟
لماذا يهيمن لوبي الحركة النسوية العلمانية على مشهد تدبير ملف المرأة؟
لماذا لا يشارك في هذا التدبير -بالقدر نفسه- العلماء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؟
هل سيبقى دور هؤلاء محصورا في الوعظ والإرشاد، بينما يتلاعب العلمانيون بالملف كما يشاءون؟
.. إن من تجليات الولاء التام للمبادئ العلمانية؛ أن الحركة النسوية المغربية لا تزال أسيرة رؤى مسيّسة ومفروضة، ولا تكاد تخرج -في إطار تحديد المفاسد وعرض الإصلاحات- عما يصدر عن السياسيين والباحثين العلمانيين؛ فعلى المستوى الفكري لا يزال هاجس الحركة العلمانية أمور من قبيل: (هيمنة العقلية الذكورية)، (ضعف المشاركة السياسية)، (انتشار الأفكار البالية التي تحصر الأعباء المادية وتجعلها لصيقة بالرجل وحده)؛ على حد تعبير إحداهن، التي أضافت قائلة: “الرجولة أكبر بكثير من هذه الأمور الصغيرة التي حسم فيها رجال الضفاف الأخرى واعتبروها عربون المودة والرحمة والإحساس بإنسانية الزوجات! وعدم اعتبار الزوجة مجرد روبو لا تكل ولاتمل” .
ويبدو أن الكاتبة كتبت ما تقدم من وحي الأفلام الأمريكية والفرنسية، أما واقع الزواج والأسرة في الغرب (الضفاف الأخرى) فبعيد عن معاني المودة والرحمة.
والعجيب أنه في الوقت الذي تعتبر فيه اضطلاع الرجل بالأعباء المادية فكرا باليا؛ تنكر “استغلال المرأة واسترقاقها من طرف بعض الأزواج الذين أعجبتهم مساهمة المرأة واقتسام الأعباء المادية معهم بعد خروجها للعمل”!!!!!!!
وقد تجاهلت أن فلسفة (رجال الضفاف الأخرى) هي التي زجت بالمرأة في سوق العمل القاسي والظالم، حتى صارت أشبه بـ(الروبو) الذي لا يكل ولا يمل.
وعلى المستوى الأسري لا تزال المرأة المغربية تعاني من شلل رباعي فيما يتعلق بالرعاية الشرعية لأفراد الأسرة لا سيما الأولاد، ونلاحظ أن مشروع الحركة النسوية يغفل بشكل كبير أهمية هذا الدور وضرورة اضطلاع المرأة المغربية به، مع أن كثيرا من مشاكلنا – كتفشي الجريمة والأمراض النفسية- سببها غياب ذلك الدور..
والعجيب أن هذا التهميش يأتي في الوقت الذي يؤكد فيه الساسة في الغرب ضرورة رجوع المرأة لأداء واجبها الأسري، ويضعون لذلك المخططات ويرصدون الميزانيات .
وهنا نسأل وزيرة الأسرة عن مجهوداتها في هذا الباب؟
وبينما تتعالى الصيحات لمحاربة العنف ضد النساء؛ نلاحظ ارتفاع درجة هذا العنف، داخل الأسرة وخارجها؛ يعلم ذلك من يزور محاكم الأسرة ومراكز النجدة والاستماع للنساء، ومن يطلع على حال المرأة في البادية والمرأة العاملة في الوظائف الصغيرة والمتوسطة.
وعلى المستوى السلوكي نسجل التدني الأخلاقي الكبير الذي يتفشى في صفوف النساء المغربيات؛ (انتشار الدعارة وأسبابها من تبرج واختلاط / ضعف الأخلاق الحميدة في المحيط الأسري والمؤسسات التعليمية وغيرها / ارتفاع نسبة المدخنات والمدمنات على الخمر ..إلـخ.).
وعلى المستوى الاجتماعي؛ نتساءل عن أداء الوزارة فيما يتعلق بمحاربة الفقر والتهميش، ومحاربة الأمية الكتابية والدينية والعلمية؟
أما على المستوى السياسي؛ ففي الوقت الذي تصر الحركة النسوية على تفعيل مبدأ المساواة المطلقة في مجال الأسرة والمجتمع والتعليم والعمل، نرى أنها تحولت عن هذا المبدأ ب 360 درجة في المجال السياسي؛ وذلك حين طالبت بالكوطا ، وألحت على رفع نسبتها، وأبدت امتعاضها من بقاء النسبة في حدود 12 في المائة!
وقد تباكت الصقلي في صفحات الجريدة الأولى (ع 148) على تراجع الحكومة عما وعدت به من إقرار كوطا للنساء!
ولما كان هذا تمييزا صارخا يتنافى مع دعاوى المساواة أطلقوا عليه اسم (التمييز الإيجابي)، وزعموا أنه ضروري في مجتمع تهيمن فيه العقلية الذكورية!!!
وهنا نتساءل هل يوصف المجتمع الأمريكي بهيمنة العقلية الذكورية حين حكّم 44 رئيسا ليس فيهم امرأة واحدة؟!
لقد عانت المرأة المغربية في عقود مضت من عدوان الجهال والعادات المهينة.
والسؤال:
هل أفلحت الحركة النسوية في إصلاح ذلك الواقع؟
هل قل العنف ضد المرأة أم تزايد؟ (اغتصاب/إجهاض/ضرب وحشي انتقامي..)
ألم يتفش التحرش الجنسي بشكل مريع، حتى صار يصدر من التلاميذ تجاه المعلمات؟
وفي مجال التعليم -الذي هو أساس التنمية-؛ هل خرجت المرأة إلى تعليم جاد ومثمر، أم خرجت -باسم التعليم- إلى التبرج والسفالة الأخلاقية؟؟
إن حل أزمة المرأة المغربية يكمن في التوسط بين جفاء بعض الأجداد وغلو جل الأحفاد؛ وهو ما تضمنه الشريعة الغراء التي يشتمل فقهنا المالكي على كثير من أحكامها وآدابها.
إن الحركة النسوية ستزيد الطين بلة حين تنيط نضالها وتجعل منتهى آمالها أن تصل المرأة إلى أعلى المناصب السياسية، وأن تتفنن في إبداء زينتها ومحاسنها، وأن يتساوى الرجال والنساء في العمل خارج البيت ..
في الوقت الذي تحتاج فيه المرأة المغربية إلى العلم والمعرفة والوعي، وأداء واجبها الأسري الحساس، والالتزام الجاد والكامل بأحكام الشرع الحنيف وآدابه …