بالتقوى.. نفرق بين من يسكن ضفتي المتوسط عبد المغيث موحد

في الوقت الذي تتعالى فيه صيحات الغرب بضرورة تمزيق الممزق فينا؛ وتوزيع الموزع من تراثنا؛ وتقسيم جغرافيتنا إلى قصبات على الشاكلة الرومانية قديما؛ وبث العقد النفسية بين المسلمين بعد تجريدهم من أسباب القوة وتعريتهم من لباس العزة وكبرياء التاريخ..

وفي الوقت الذي تفضل فيه الكثير من الفضائيات الغربية الاحتفاء برأس السنة الميلادية بجعل المسلمين وشعائرهم موضوع تنكيت وفكاهة كما فعلت إحدى القنوات الفرنسية عندما بثت برنامجا فكاهيا اختار فيه المضاف أن يسأل المضيف عن الفرق بين الحيوان والإنسان؟
فأجابه المضيف قائلا: الفرق خصيصة العقل. فصاح به المضاف: “خطأ” الفرق هو حوض البحر الأبيض المتوسط.
ثم سأله عن الفرق بين المسلم والوطواط؟
فأجابه إجابة “خطأ” فيصيح به تحت قهقهة صناع العنصرية: لا فرق بينهما، فكلاهما يشتركان في لفظ “vol”.
فالوطواط يطير بالليل وينام بالنهار، والمسلم يسرق بالليل وينام بالنهار.
وفي الوقت الذي صار فيه للعربي دلالة رمزية في الإعلام الغربي تحيل على المكر والشذوذ والإرهاب، وفي الوقت الذي فقد فيه هذا الآخر الاستحياء من خوض لجة حروبه وراء مطمع فات عليه إدراكه بفضل الله، وفي الوقت الذي لا ترى النصرانية الجديدة في نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إلا أعرابيا أقر رسالته بالرمح والسيف فلا تتحرك سخائمها إلا في صوب النيل من عظمته، والحط من دعوته، والإزراء بأتباعه، وشن حروب الكيد بشعائر دينه، فنراها ورفقا بالحيوان تسعى إلى تعطيل نسك الأضحى، ورفقا بالأطفال والقوارير تتمنى وقف تنفيذ الختان والتعدد والنقاب.
كما أفلحت باسم حق الحياة وحقوق الإنسان في تعطيل الحدود وتفضيل نفس القاتل على روح القتيل؛ ويد السارق على المسروق له؛ وظهر الزاني على بطون ما بات يصطلح عليهن ببدع من القول “الأمهات العوازب” غير مكتفية بهذا كله بل صار المسجون ينعم بأصناف من الامتيازات التي حولت السجن من مهمة التقويم والتعزير إلى وحدة فندقية تزيد نجومها وتنقص بتفاوت التنازلات التي تباركها منظمات الغرب العلمانية.
كما صار للأم العازبة ملاجئ ذات حدائق وبهجة وترسانة قانونية تحميها من تفعيل سلطة الأب الرجعي الذي لا زال متشبثا بقال وقيل عن البكرة والشرف والأنكحة الشرعية التي أصبحت نشازا في نظم الحداثة وعقد الدياثة؛ التي تحول بينها وبين موافاة الركب المدني الماجن…
في عين هذه الأوقات تبني فئاتٌ عريضةٌ من المسلمين قواعد الولاء والبراء حسب أطياف الانتماء الكروي؛ الذي تتأرجح عتلة المحبة فيه بين ميل القلب ذات برشلونة أو ذات مدريد، في عين هذه الأوقات يكاد قومي ينبسون بثالث ثلاثة فتراهم يصرفون الغالي والنفيس من أجل إضاءة شجرة زقوم الميلاد المزعوم؛ ويصدرون أشتاتا أشتاتا ليحجزوا رهان السبق في كتاب سميك يحصي فيه الحلواتي أشكال حلوى الميلاد وأعداد الشموع التي يؤبن بها المسلمون سنة لا تحوي عدة الشهور عند الله سنة لا يقيم فيها أهل التثليث لأشهر الله الحرم وزنا ولا قداسة، سنة لا يزال المسلمون لم يكفكفوا دموعهم بعد عن الضحايا منهم الذين تختلط أطراف من جثتهم برغام السفح وصفوان الجبل، رقمهم مفتوح في بورصة الهرج فلا تزال قعقعة الطائرات الحربية تعبث في سماء جغرافية التاريخ والحضارة بمحرك نفاث ينفخ فيه ماء الخليج روح الدوران ماء يمول مشروع القتل من عائداته.
هذا وإنه لمن الدياثة وخوارم المروءة أن نرتقب الشرف من صناع الغدر؛ وننتظر العفة من معشر الداعرين؛ ونطلب الرحمة من عصبة المعتدين؛ ثم نركن إلى الاستماع والإصغاء بخشوع إلى خطب القوم المرنة؛ ونطأطئ الرأس خنوعا وخضوعا أمام أساليب الحداثة الاصطناعية التي هي على الحقيقة أستار وأقنعة تتوارى خلف أغشيتها الجذابة أفقع المقاصد وأحلك المرامي التي نجح الغرب الصليبي بعون من بني الجلدة بني علمان في إلباسها هندام البراءة التي لم يتشرب قلبهم بياضها إحساسا واعتقادا في يوم من أيام دهره وقهره وتسلطه علينا كونا وقدرا، ولعله من العيب أن يملأ المرء صفحة مجهوده بوصف مصيبة كرهم دون الالتفات إلى مصيبة فرنا وتقهقرنا.
وقد صرنا جيلا مستنسخا مهزوما فقد الثقة في نفسه وضاعت منه طاقة قوته وفرط في مادة حياته جيل بخل وغفل لا يتقن غير لعبة التقليد ودخول جحر الضب اتباعا لغرانيق الغرب في قشور التمظهرات التي عمادها وشم السواعد والسيقان وكفت الثياب عنها لا لتسوق آلة الحرث وتحمل منجل الحصاد بل لترسل إشارات واضحة ناضحة بما تعيشه نفوسها المغلوبة من قابلية للتلقي والانبطاح والاستسلام السلبي المجرد من نخل الواردات الملغومة، نخل قادر على تفعيل عملية التمييز والانتقاء الكفيل بخلق مناخ السلامة والبيئة المعافاة التي بها ننتقل من المفعولية إلى الفاعلية، ومن التلقي إلى التصدير، ومن الإهمال إلى الإرسال ومن الزبونية بقهر إلى الإنتاج بفخر…
وأنى لشباب قد حجمت سوأته سراويل الجينز الحاسرة عن الخصر؛ وشعر رأس مرجل في قوالب أنثوية؛ أن يواجه مشاكل عصره وهموم أمته؛ فضلا أن نتكلم ولو احتمالا عن وجود المقدرة لديه على تحقيق المنجزات الضخمة والمخترعات العظيمة وإشباع سوق الإعداد بالباءة الرادعة والقوة المرهبة لمعشر المتربصين بنا الدوائر.
أنى لشباب يعيش سلبية التقليد في أبشع صورها أن ينبض قلبه بالغيرة على تراثه وهويته التي هي سر قوته وخامية وجوده؛ تلك الغيرة التي هي نبت نفساني لا يمكن أن يثمر إلا في بيئة الانتماء الحقيقي، ولا يمكن أن يشتد عود غرسه إلا من ري دائم متكرر من عرق منتسبين إلى شجرته الطيبة التي أصلها ثابت في تربة الخيرية؛ وفرعها متصل بوعد الله الصادق لعباده المؤمنين الذين يحملون مشعل الأمر بالمعروف وسراج النهي عن المنكر؛ فهم السباع كناية الذين تخشاهم الضباع على الحقيقة؛ وبالتقوى نحن المسلمين في أسمى معاني الإنسانية الموجودة على الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *