لماذا اخترنا الملف؟

تنتشر المراكز البحثية والفكرية في ربوع العالم العربي؛ ومنذ نشأتها وهناك متلازمة أصلية تصاحبها وتسبب لها الكثير من المشكلات وأزمات الثقة سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى الشعوب؛ وهذه المتلازمة تتمثل في التمويل الغربي الذي تتلقاه بعض هذه المراكز نظير تبني أجندة معينة أو القيام بدراسات بحثية ومقالات فكرية تخدم الهدف العام للممول الغربي، وتحدث نوعاً من التوجيه الفكري لأطياف المجتمع بما يخدم الأفكار الغربية.

هذا فضلاً عن الأثر الكبير للتمويل الغربي في تحقيق الأهداف الاستخباراتية والمعلوماتية للدول الغربية، من خلال صناعة ثغرات تمكنها من التواجد داخل المجتمعات الإسلامية، وإجراء دراسات تعينها على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول تلك المجتمعات الإسلامية، إضافة إلى الاستعانة بالباحثين المحليين من خلال التمويل الغربي لقراءة وتحليل المعلومات المجمعة أو الظاهرة محل النظر، ومن ثم تتكون لدى الكيان الغربي معلومات ميدانية موثقة جمعها أهل البلاد الإسلامية بأيديهم، مصحوبة بقراءة تحليلية ثاقبة من أبناء تلك البلدان أيضاً، والذين يدركون جيداً كيف يفكر المواطن العربي، وكل هذا يخدم في النهاية المراكز الفكرية الغربية ووكالات الاستخبارات الغربية في فهم الواقع العربي والإسلامي عن قرب، ومن ثم رفع التوصيات الدقيقة والتي في ضوئها يتخذ صانع القرار الغربي قراراته السيادية، والتي تأتي في النهاية في غير صالح العالم الإسلامي، وما احتلال العراق عنا ببعيد.
إن ظاهرة التمويل الغربي للمراكز البحثية في العالم العربي ترتبط بها الكثير من الإشكاليات البحثية سواء على مستوى أهداف التمويل ومبررات المانحين، وكذلك نوعيات مؤسسات التمويل الدولية، وحجم حركة التمويل الغربي في العالم العربي، وطبيعة جهات التمويل الغربية، وكذلك اهتمامات وأجندات التمويل الغربي في بعض بلدان العالم العربي، ودور التمويل الغربي في صناعة ما يعرف بالإسلام المعتدل وفق الرؤية الأمريكية للاعتدال في العالم العربي، مع محاولته اختراق بعض الدول العربية الغنية الرافضة للتمويل الغربي مثل المملكة العربية السعودية. (تجدر الإشارة إلى أن هناك كتاب تحت الطبع بعنوان: التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي للباحث الهيثم زعفان، يتولى نشره المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة).
لكن ينبغي ابتداءً التفريق في عملية تلقي التمويل الغربي بين ثلاثة أصناف من الباحثين العرب.
الأول: باحث حسن النية لا يدرك أنه يعمل في مشروع بحثي ممول من الغرب، ومن ثم فهو يحصل على الأجر من الإدارة المحلية للمشروع البحثي دون استفهام عن الممول الحقيقي للمشروع، وهذا الصنف منهم من يتراجع عن التعاون في المشروعات البحثية فور علمه بالممول الحقيقي، وأحياناً يرد ما حصل عليه من أموال غربية حتى لا يكون في سجله وتاريخه أنه حصل على أموالاً غربية تحوم حولها الشبهات، ومنهم من لا يتراجع ويتمادى في التعاون المثمر مع مؤسسات التمويل الدولية.
الثاني: باحث يدرك طبيعة الجهة الممولة للمشروع البحثي لكنه يرى بحدود فهمه ومعلوماته أنه لا يفعل شيئا مريبا حينما يتلقى تمويلاً غربياً لإتمام مشروع بحثي معين، ومن ثم فهو لا يحاول التحري كثيراً حول طبيعة الجهات الممولة، فالأمر بالنسبة له مجرد مصدر دخل مفتوح لا يريد أن يغلقه.
الثالث: باحث يدرك جيداً الأهداف الحقيقية لمؤسسات التمويل الدولية ولا يتردد في قبول أي مشروع بحثي ممول مهما كان مضراً بمصالح المجتمع.
وبدورنا سنحاول من خلال هذا الملف المختصر الذي أعده هيثم الزعفان والمنقول عن مجلة البيان الإطلال على ظاهرة التمويل الغربي، وما يصاحبها من إشكاليات ومخاطر على الهوية الإسلامية، وأمن وسلامة المجتمعات العربية والإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *