مرت على حادثة إغلاق دور القرآن الكريم بالمغرب أزيد من سنتين ونصف، ولم تنفع كل المساعي السياسية والقانونية والحقوقية في إرجاع الحق إلى أصحابه، وتصحيح الخطأ الفاحش الذي أقدمت عليه كل من وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف.
وقد كانت قضية دور القرآن إحدى مئات القضايا التي فاحت منها رائحة الفساد حتى أزكمت الأنوف، حيث كان يقف من وراءها ويدبر ملفاتها فئة من المتنفذين الاستئصاليين الذين شقوا طريقهم نحو مراكز القرار والنفوذ، ولا زالوا إلى اليوم يمارسون استبدادهم على شرائح واسعة من الشعب المغربي دون حسيب ولا رقيب..
إلا أن الظلم لا يدوم والظالم لا يسود؛ ففي خضم الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم العربي؛ والتي اندلعت شرارتها من تونس لتمتد من بعدها إلى كل من مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا والأردن وموريتانيا والجزائر والمغرب..؛ شهدت الساحة الوطنية العديد من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية؛ طالب من خلالها المتظاهرون بمحاكمة المفسدين والانتهازيين والوصوليين وناهبي المال العام..
وفي ظل هذا الحراك الكبير والقوي في آن واحد؛ فتح النقاش حول العديد من الملفات والقضايا سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الحقوقي أو القضائي..؛ ملفات “طابو” كان مجرد إثارتها في ظل الظروف السابقة يعد جريمة.
فلا أحد كان بوسعه التشكيك في أحداث 16 ماي مثلا وما صاحبها من اعتقالات وظلم لشريحة واسعة من المغاربة الأبرياء؛ ولا الحديث بصراحة وجرأة عن تدخل الهمة السافر في المشهد السياسي وكشف مخططاته في هذا المجال، ولا الماجدي في المشهد الاقتصادي والثقافي؛ وتسلط أحمد التوفيق ومحمد يسف على الحقل الديني وتكميمهم أفواه العلماء والخطباء والوعاظ؛ وإبعادهم عن هموم الناس ومعاناتهم؛ ومنع العلماء من الخوض في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي؛ مما شوه صورتهم وجعل منهم محط سخرية واستهزاء عند شريحة الشباب خاصة؛ وعند من يجهل من يقف حقيقة وراء هذا المشروع الهدام الذي لا يخدم إلا المشروع العلماني؛ الذي يقوده ويتزعمه دوما الانتهازيون والوصوليون ومصاصو دماء الشعب وأعداء الهوية الوطنية الإسلامية.
وفي إطار مخطط علمنة المغرب جاء قرار إغلاق أكثر من 67 دارا للقرآن الكريم بدعوى أنها تحمل فكر الدكتور محمد المغراوي، الذي اتهم زورا وبهتانا بإصدار فتوى زواج الصغيرة!
وهو الأمر الذي اعتبره جل المنصفين والنزهاء عذرا أقبح من الذنب.
فحتى لو فرضنا أن الدكتور المغراوي صرَّح علانية بجواز زواج الصغيرة اعتمادا على نصوص وأدلة رآها؛ فما يضيره ذلك وهو العالم والأستاذ الجامعي ورجل الاختصاص في العلوم الشرعية؟!
وما جريرة أكثر من 66 جمعية لا علاقة لها بجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة التي يترأسها الدكتور المغراوي؟!
ثم أين يقف كلام الدكتور المغراوي أمام كلام خديجة الرياضي وأمينة بوعياش وفوزية العسولي وخديجة الرويسي وعبد الحميد أمين وأحمد عصيد والساسي وغيرهم؛ الذين يطعنون في القرآن والسنة ويشككون في أحكامهما؛ ويدعون إلى حرية الردَّة واللواط والسحاق وشرب الخمر والزنا؛ وإلغاء الملكية والتمكين للانقلابيين الجدد من “البلانكيين القدماء” -أي اليساريين المتطرفين- المنادين بالجمهورية وإخراج التدين من المجتمع من أجل تغريب بلدنا وربطها بمذاهب وإيديولوجيات بائدة زائفة ثبت فشلها بانهيار المنظومة الشيوعية؛ كل ذلك دون أن يحرك المجلس العلمي الأعلى ولا الوزارة التي ندبت نفسها لـ”تكبيل” الشأن الديني بالحلول محل وزارة الداخلية!!! ضاربة بعرض الحائط الخطب التي دعا فيها جلالة الملك أكثر من مرة إلى فتح المجال للعلماء للمساهمة في التنمية البشرية وعدم جعل المجالس العلمية جزرا مهجورة.
واليوم وبعد بزوغ فجر الحقيقة وإطلالة بصيص الأمل على هذا البلد الذي أظلم بأنواع الظلم والفساد بكل أشكاله، تقف من جديد الجمعيات القرآنية لتطالب بحقها المغصوب، واسترجاع حريتها في العمل الجمعوي والنشاط الدعوي؛ خاصة أن عددا لا يستهان به من روادها من أبناء الفئات الضعيفة والمهمشة التي أغلقت في وجوههم أبواب المدارس العامة والخاصة وجدوا في تلك الدور مجالا رحبا للتعليم والتخليق والإطعام والرعاية الصحية والاجتماعية، مما يعتبر اختبارا حقيقيا لبادرة الإصلاح التي دشنها خطاب 9 مارس.