تشدد مع الخرطوم.. وتساهل مع دمشق!!
ربما يرى البعض أن فرض حظر على سفر الرئيس بشار الأسد أو فرض عقوبات على هذا المسؤول السوري أو ذاك دليلاً دامغاً على حسم “المجتمع الدولي” مع نظام دمشق الدموي الذي لا يتورع عن قتل أبناء شعبه أمام الكاميرات، وحيث تتصدر الأنباء في نشرات القنوات الإخبارية الرئيسة وغير الرئيسة عن توقيع عقوبات وعن تحذير الاتحاد الأوروبي ورؤساء الدول والحكومات كساركوزي وكاميرون عن أن الرئيس بشار بدأ يفقد شرعيته، أو تخيير أوباما للأسد ما بين قيادة التغيير أو الرحيل..
كلام.. ظاهره التشدد غير أنه لا يعبر إلا عن استهلاك ظرفي يقلل من الاحتقان الشعبي العربي والإسلامي ضد النفاق الغربي وبراجماتيته التي تعادي الحريات في الحوض الإسلامي؛ بل تقف سداً منيعاً يحول دون حصول الشعوب المظلومة على حريتها واستقلالها؛ فالإجراءات السابقة لا أثر لها بالمرة على سير الأحداث على الأرض في سوريا، وسفك الدم لا يمنعه منع رئيس ليس شغوفاً بالسفر إلى الخارج إلا للنزهة فقط مع زوجته الفلسطينية الشابة، وسوريا/البلد السياحي الجميل يغنيه عن مثل هذه الأسفار غير الضرورية!
كما أن العقوبات التي تعني أن الرئيس كغيره من “المعتدلين” إما أنه يضع أموال الشعب في حسابات شخصية ببنوك غربية أو أن القرار بالفعل غير ذي فاعلية إن كانت كل ما انتهب موجوداً بالداخل السوري أو لدى الحلف الروسي/الإيراني فقط.
وهي على كل حال محاولة رخيصة لسرقة أموال الشعوب التي تتطلع إلى الحرية مثلما حصل مع تونس ومصر وليبيا، بما يعني أنه إجراء لا يستهدف سوى الشعوب المتطلعة إلى الاستقلال، ولا يضر الرؤساء إلا بشكل جزئي فقط.
الدم لن توقفه بالطبع هذه الإجراءات التي لا تتماشى مع دماء سفكت لأكثر من ألف شهيد من أبطال الشام المغاوير، ولسنا راغبين في الحقيقة بمضاعفتها وإنما نرصد النفاق الغربي فقط، الذي يسمح للجزار بـ”قيادة التغيير” كما قال أوباما، ويحجم عن ملاحقته القضائية الدولية برغم توافر كل الأدلة المثبتة أمام العالم كله على شاشات التلفزة وعبر اليوتوب.
لقد مر نحو شهرين على بدء ثورة سوريا، فيما لم تمر ثلاثة أيام على تدخل الجيش السوداني (الشمالي) لحفظ الأمن في منطقة آبيي التي انتزعت من الشمال السوداني وتفخيخها كنقطة صراع “حدودي”، وغنيمة نفطية متنازع عليها بين الشمال والدولة الانفصالية الجنوبية، والإجراءات الفعالة تتوالى ضد حكومة البشير المنتخبة، فالأمم المتحدة دعت الجيش السوداني للانسحاب من آبيي وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والأخيرة هددت مجدداً بالإبقاء على وضع السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب؛ نعم الإرهاب وليس التدخل العسكري في منطقة إن لم تكن سودانية فهي على الأقل متنازع عليها.
ووكالات الأنباء لم تهدأ في تضخيم الأمور من فرار مئات إلى 15 ألفاً إلى 150 ألفاً إلى 450 ألفاً من سكان آبيي بسبب ما قيل عن أعمال سلب ونهب في المنطقة، هكذا، كما قالت الوكالة الفرنسية وغيرها عن منطقة لا تجاوز مساحتها 1% من مساحة السودان الكلية.
الفرق في الحالتين أن سوريا يحكمها نظام طائفي ديكتاتوري أتى منذ البداية عبر انقلاب عسكري ولا يتمتع بأي شعبية، بينما السودان يحكمه نظام ليس طائفياً ومنتخب، استمد شرعية وجوده مؤخراً بانتخابات حرة شهد العالم بنزاهتها..
فارق مهم أيضاً، أن الأول موالٍ لواشنطن والاتحاد الأوروبي، والثاني ليس كذلك، برغم أن الأول إرهابي بكل تأكيد وتمتد يده في لبنان عبر سلسلة من التفجيرات وأعمال القتل ونموذج فريد “يحتذى” في الاغتيال السياسي للخصوم في البلد المجاور المبتلى باحتلاله غير المباشر، فيما لا تمتد أيدي السودانيين خارج بلدهم المحاصر أيضاً بشكل غير مباشر..
قد نشهد تصعيداً متوقعاً ضد الخرطوم خلال الأيام القليلة بينما ستظل الأيدي الحانية تربت على كتف عصابة بشار وأعوانه حتى تنفيذ المهمة أو التحول إلى غيره من الموالين إن سقط في اختبار القمع كما فشل مبارك..
نتنياهو.. المزيد من الاستعلاء
زياد آل سليمان
جاءت كلمة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الثلاثاء 24-5-2011م، بعد يومين من كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك”- الأحد 22-5-2011م، والتي أكد فيها على الالتزام الكامل بأمن الكيان الصهيوني، وطالب فيها السلطة الفلسطينية إلغاء الاتفاق مع حماس.
لقد بدأ أوباما في خطابه متحمساً للكيان الصهيوني أكثر من يهود أنفسهم، ثم جاءت كلمة نتنياهو أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين وكأنها تكرار لما قاله أوباما.
في حين أن مستشاري الصهيوني نتنياهو صرحوا أنه عدل خطابه في أعقاب خطاب الرئيس أوباما، حتى قال بعض موظفي البيت الأبيض لصحيفة “هآرتس” الصهيونية إن نتنياهو استخدم خطاب أوباما الماضي.
يأت خطاب نتنياهو ولا أوباما بالجديد، فهي ذات الألحان التي تنطلق من منطلق الاستعلاء: القدس عاصمة “إسرائيل”، لا عودة للاجئين، لا تخلي عن الأراضي إلى حدود 67، يجب الاعتراف بيهودية الدولة، وفوق هذا ينبغي تمزيق اتفاق المصالحة بين حماس وفتح.
واللافت للنظر في خطاب نتنياهو قوله: “إن إسرائيل قادرة على حماية نفسها، ولسنا بحاجة لقوات أجنبية”، هذه العبارة بحاجة للمزيد من التأمل فقد جاءت بعد مسيرات العودة لفلسطين أو ما سمي “الانتفاضة الفلسطينية الثالثة”، والتي أثبتت أن الكيان الصهيوني لن يستمر، وأن نهايته اقتربت وقد تكون بذات الأسلوب الذي أنهى نظام بن علي، ونظام مبارك الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني، هذه المسيرات هي عامل واحد من بين عوامل كثيرة تؤكد اقتراب النهاية، هذه العبارة تعكس إذاً حالة الخوف لدى القيادة الصهيونية، والتزام أوباما التام بأمن الكيان، هو كذلك يعكس حالة الخوف الشديد من التغيرات في العالم العربي خاصة في مصر، وما قد يحدث في سوريا وينسحب على لبنان وربما الأردن.
لقد زاد الخطاب من إصرار الفلسطينيين والمسلمين في كل مكان على العودة إلى فلسطين، فلسطين كلها وليس حدود 67، ولن ترضي الجموع الغاضبة والحرة بأن تتوقف مسيرتها إن بدأت قبل الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وإن كان نتنياهو وأوباما يطالبون العرب بالاعتراف بيهودية “إسرائيل” للتخلص من اللاجئين في الخارج، والفلسطينيين في أراضي 48 في الداخل، فكيف سيتخلصون من المسلمين في أنحاء المعمورة؟!
إن الفلسطينيين والعرب وعلى رأسهم المقاومة الفلسطينية لن يعترفوا بـ”إسرائيل” أساساً حتى يعترفوا بيهودية الدولة.
إشارة أخيرة وهي أن خطاب نتنياهو هذا لم يسلم من المقاطعة من قبل إحدى الحاضرات التي هاجمته وهاجمت سياسة الكيان ضد الفلسطينيين ليصفق لها الحضور، وسرعان ما يدرك نتنياهو الأمر ويقول: إن هذا يدل على الديمقراطية وهو ما لا يمكن أن يكون في إيران، ليصفق له الحضور من جديد.
إن تكرار حوادث المقاطعة للمسؤولين الصهاينة في أوروبا وفي أمريكا الحليف الاستراتيجي ينبغي أن يوضع ضمن العوامل التي تؤشر على اقتراب نهاية الكيان، وبينما كان نتنياهو يلقي خطابه كان النشطاء الأمريكيون يتظاهرون خارج القاعة حاملين الصور واللافتات التي تندد بسياسة الاحتلال الصهيوني.
وفي نهاية يونيو القادم على الكيان أن يواجه سفن أسطول الحرية الثاني الذي سينطلق من أوروبا نحو غزة بهدف كسر الحصار على قطاع غزة، وبلغ عدد المشاركين فيه حتى الآن 600 مشارك من 40 دولة من مختلف القارات، عوامل مختلفة ستلتقي من مختلف الأماكن وبمختلف الأساليب، وسيجد الكيان الصهيوني وساسته أنهم أمام واقع لا يمكن التخلص منه، وأن حليفهم الأمريكي لديه ما يشغله عنهم، وحينها سيدرك نتنياهو وشعبه أن سياسة الاستعلاء لم تجلب لهم إلا الدمار والهلاك.