بعد مسيرتي تنغير وورزازات جاءت الوقفة الاحتجاجية لأئمة وخطباء المساجد بالمغرب بالعاصمة الإدارية الرباط أمام قبة البرلمان؛ وقفة اعتبرها المتابعون استثناء في تاريخ المغرب؛ تميزت عن غيرها شكلا ومضمونا.
فمن حيث الشكل: فقد خصت الوقفة فئة لطالما همشت ولم يلتفت إلى أحوالها ومطالبها وحاجياتها، وأقصد أسرة المسجد التي تتكون من الإمام والمؤذن والخطيب.
أما من حيث المضمون: فيتمثل في التعبير والمطالبة بالحقوق المادية والمعنوية لهذه الصفوة المهمشة.
وقد شارك في هذه المسيرة أغلب أئمة المغرب المتفرقون على مدن البلد كلها، كطنجة والقنيطرة وسلا والرباط وتمارة والبيضاء وسطات والفقيه بن صالح وبني ملال وميدلت..، وسجل أئمة الجنوب المغربي وخطباؤه حضورا مكثفا، فقد توافدوا بشكل كبير من منطقة الحوز؛ مراكش وأكادير وتزنيت وتنغير وورزازات وتفراوت..، وقدر عدد الحاضرين بألفي إمام وخطيب.
ومن الملفت للنظر أن الوقفة كانت منظمة بشكل نال إعجاب جميع المتابعين، ولم يمتلك المواطنون الذين أوقفهم هذا المشهد المهيب؛ ولباس الأئمة التقليدي؛ أنفسهم إلا أن أخرجوا هواتفهم النقالة وأخذوا يلتقطون صورا ومقاطع فيديو للأئمة وهم يهتفون بشعارات عبروا من خلالها عن مطالبهم المشروعة، وزاد إعجابهم عندما رأت أعينهم المحتجين وهم يؤدون صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا بالحديقة المقابلة لمجلس النواب مستحضرين قول النبي صلى الله عليه وسلم: “..وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ..”.
بعد ذلك تناول الأئمة وجبة الغداء كل ذلك بهدوء وسكينة مع حفاظهم على نظافة الحديقة ومظهرها الجميل مستجيبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ”.
وفي المساء قررت اللجنة المنظمة للمسيرة التوجه إلى مقر وزارة الأوقاف مرددين شعارات من قبيل: (الأئمة ها هما والحقوق فيناهوما)، و( ياوزير يا وزير يا وزير يا التوفيق باراكا من التلفيق)، و(استقلال المنابر تنوير للبصائر)، مع التكبير والتهليل محاولين ما استطاعوا ألا يعرقلوا حركة المرور، فبينما هم كذلك فاجأهم رجال الأمن الذين أربكوا المسيرة وفرقوها وضربوا بعض الأئمة بعصيهم وصادروا اللافتات ومكبرات الصوت والهواتف النقالة التي استخدمت في التصوير..
فرجع المحتجون أدراجهم إلى ساحة البرلمان، بعد ذلك جاء ممثل عن السلطة (الباشا) الذي أخبر اللجنة أن السيد الوالي يريد أن يحاورهم ويسمع مطالبهم، وبعد أخذ ورد ومشاورة قرر الأئمة إرسال من يمثلهم إلى مكتب الوالي، هذا الأخير الذي استقبلهم بحفاوة وترحيب كما ذكر ذلك أحد أعضاء اللجنة ووعدهم بأن ينظم لقاء بينهم وبين وزير الأوقاف ما بين 01-07-2011 إلى 10-07-2011، فقبلت اللجنة مقترح الوالي كحل مؤقت..
ويعتبر التدخل الأمني في حق هذه الفئة التي لها رمزيتها وقيمتها الدينية وتحظى باحترام وتقدير معظم أفراد الشعب المغربي؛ انتهاكا للحقوق وتجاوزا أمنيا خطيرا، ففي الوقت الذي كان من المفروض استقبالهم والاستماع لمطالبهم؛ ورفع الظلم والتهميش الذي طالهم قوبلت هذه الفئة التي لطالما سعت إلى تثبيب الأمن والاستقرار في ربوع البلاد؛ بتدخل أمني عنيف ضدهم!!
وبعد اللقاء بالوالي رفع الأئمة أكفهم بالدعاء لأمير المؤمنين بالتوفيق والسداد، وختمت الوقفة بقراءة الأستاذ أبو أيوب أحد أعضاء اللجنة المنظمة بيان مسيرة أئمة وخطباء المساجد بالمغرب، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة ولاسلام على أشرف المرسلين
مسيرة أئمة وخطباء المساجد بالمغرب
18 رجب 1432هـ/21-06-2011م
1- إن أسرة المساجد لتعبر من خلال خروجها الاستثنائي للشارع على حقها في ممارسة الصلاحيات الدينية والأدوار الوظيفية في التربية والإصلاح، وتوجيه المجتمع وصيانة الهوية الإسلامية للمملكة، وكذا تفعيل دورها في التشخيص والرقابة على أداء المؤسسات لضمان سيرها لروح الشريعة الإسلامية.
2- تفعيلا لمرامي الإصلاح الدستوري ندعو لحل كل من المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية وإعادة تشكيلها على أساس شوري ديمقراطي يعتمد الانتخاب وإلغاء بروتوكول التعيينات بما يكفل فاعلية العلماء وحريتهم.
3- نطالب بتزويد المساجد بالآليات والوسائل اللوجيستية الضرورية للنهوض برسالتها أسوة بكافة المؤسسات العمومية.
4- نحمل الهيئات السياسية المداولة للسلطة قديما وحديثا مسؤولية إقصاء وتهميش وتفقير أسرة المساجد الذي أدى إلى تعطيل دورهم في المجتمع.
5- نطالب بالإسراع في إقرار النظام الأساسي للمتفرغين لخدمة بيوت الله كمؤسسات عمومية.
6- نطالب بمستحقاتنا من المال العام النظيف وفق المسطرة المعمول بها في أجور الموظفين حفظا للكرامة وضمانا لحرية واستقلالية أسرة المساجد.
7- نطالب بجبر الضرر وإرجاع كافة الأئمة المتفرغين المعزولين الذين لم يثبت في حقهم ما يسوغ فصلهم.
8- نثمن برنامج تأهيل الأئمة في إطار خطة ميثاق العلماء وندعو للمحافظة عليه والارتقاء به.
9- نطالب بتسيير إنشاء رابطة لأئمة المساجد توفيرا لفضاء الانتماء البريء.
10- مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين مدعوة للتدخل في المجالات التي لا تؤثر سلبا على التزامات لجان المساجد كتقليد أصيل ينبغي المحافظة عليه.
11- إرجاع للمسجد دوره الإشعاعي القديم، وفسح المجال لتحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية وتبليغ رسالة الله دون مضايقات أو تعسفات.
12- تمكين الأئمة والمؤذنين كبار السن من حقوقهم الكاملة حفاظا على كرامتهم.
13- الحد من بعض تعسفات وزارة الداخلية على أئمة المساجد.
14- وقف زحف متعدد الوظائف للعمل بالمساجد.
15- تحديد دور الجمعيات والوداديات المشرفة على المساجد وإلزامها بعدم التدخل في شؤون القيمين الدينيين.
16- طرح دليل الإمام والخطيب والواعظ لمراجعة بعض بنوده المجحفة في حقنا.
17- اختيار مسؤول كفء من أسرة العلماء لتولي وزارة الأقاف والشؤون الإسلامية.
18- حمايتنا من بعض هجمات وسائل الإعلام المغرضة.
وجاء في قصيدة توصلت بها الجريدة مع البيان الختامي للوقفة:
واصمد في وجه الإعلام بأنواعه *** والمرء ضعيف لوحده قوي بإخوانه
وقل كفى تسريح الأئمة دون حجة *** كذا المؤذنين في سنين عدة
وكن سدا منيعا في وجه التعدد *** للوظائف والسبق لابن المعهد
وقارع شهادتك بجميع الشواهد *** فلا فضل للمدارس على المساجد
وفي قصيدة بعنوان: “الصفوة المهمشة”
فماذا الهراء أيها الوزير؟ *** فاعلم أن الأمر صعب وخطير..
من المضايق بتدغى تفجر *** نبع المسيرات ولازال يسير
وبورززات يشتد سوقها *** رآها البصير وسمعها ضرير
واليوم عانق الشمال الجنو *** ب وثلة تنعم والإمام فقير..
فأين الوعود وأين البنود؟ *** وهرم الإمام وجاءه النذير..
أليس في القوم رجل رشيد؟ *** ينصف الإمام ويأمر ويشير..
فما كان خروجنا إلى الشوارع *** ديدننا ولا على البال يخطر
لكن بعد أن أعطى الملك عطاءه *** تكريما للإمام والوزير يقتر
فتوالت عليه الشكايات من *** كل صوب صاعر الخدّ لها مدبر
فاحذر من أكل مال الأئمة *** وما تقول للملكين إذ تقبر
ونثلث الرسالتين قبل بهذه *** إلى ملك البلاد فهل من يخبر