سلسلة مرافعات في الدعوة السلفية المرافعة الثانية: (مكانة العقل في الفكر السلفي)! الجزء الثالث: هل السلفيون عقلانيون؟ ذ.طارق الحمودي

 

هل السلفيون عقلانيون
نعم عقلانيون؛ ومن يشك في هذا! ويحترمون العقل ويوقرونه، ومظاهر ذلك كما قال الدكتور مفرح القوسي في (الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية/164و165):
1- نبذ التقليد.
2- استخدام الأقيسة العقلية في الاستدلالات الشرعية.
3- اعتقادهم عدم وجود تعارض بين العقل والوحي.
وفي غير ذلك.. وللقارئ المنصف حق الإضافة ..فإن الحقوق غير محفوظة!
فهم يثبتون صفات الله تعالى بالنقل والعقل! كما فعلوا في إثبات صفة العلو له سبحانه؛ فقال ابن تيمية في الأصفهانية: “وهكذا السلف والأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله يثبتون هذه الصفات بالعقل كما ثبتت بالسمع وهذه الطريقة أعلى وأشرف”.
وقال في درء تعارض العقل والنقل: “العقل الصريح الموافق للسمع لا منازع له، والعقل قد دل على أن الله تعالى فوق العالم، وهذه طريقة حذاق أهل النظر من أهل الإثبات كما هو طريق السلف والأئمة: يجعلون العلو من الصفات المعلومة بالعقل”.
هذه طريقة السلف والسلفيين وابن تيمية.. وقد شهد له السلفيون المغاربة بذلك، فشهد العلامة الحجوي في الفكر السامي (2/364) لطريقة ابن تيمية بأنها تدعو إلى: ترك الأوهام واستقلال الفكر في فهم الشريعة من كتاب وسنة وقياس!
وسلفية ابن تيمية قديمة في المغرب وقد بقي وجودها مستمرا -ولا بد- إلى الآن، وقد كان لابن تيمية تلامذة مغاربة سماهم العلامة محمد المنوني رحمه الله تعالى في كتابه (ورقات عن الحضارة المرينية/ص:402) تحت عنوان (هل تأثر المغرب المريني بأفكار ابن تيمية؟) ثم ذكر الذين أخذوا عنه من المغاربة رواية وهم خمسة.
وأنت على دراية أن معنى ذلك أن الذين تأثروا به دون الرواية عنه أكثر.. وهم نواة من نوى الفكر السلفي في المغرب المريني وبعده…! وقد كانت السلفية قد زرعت قديما.. مع الفتح الإسلامي! فالذين فتحوا المغرب كانوا.. السلف الصالح.. وقد جاؤونا بمنهجهم في فهم الكتاب والسنة بأنفسهم إلى هنا!
الوحي والعقل..!
الوحي والعقل الصحيح ثنائية جميلة بكل معنى الكلمة، لكن العلمانيين لا يرونها كذلك فليس عندهم إلا أحدهما: الوحي أو العقل.. ولا يجتمعان!
وعند السلفيين خصوصا وعند المسلمين عموما لا يفترقان..!
العقل عند العلمانيين قيمة مطلقة تحكم الوحي فتقبله أو ترده، وعند المسلمين الوحي قيمة مطلقة تحكم العقل فتقبله أو ترده.
ولتلخيص نظرة السلفيين للعلاقة بينهما يقول ابن القيم رحمه الله: (إن الطريقة السلفية -الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة- عرفت للعقل منزلته ودوره الحقيقي؛ حيث جعلته مناطَ التكليف، وأحد الضرورات الخمس التي يجب حفظها ورعايتها، ووضعت ضوابط محددة تتفق مع قدراته وإمكاناته، فلم تطلق له العنان، بل جعلت له حدوداً ومجالات لا يجوز له تجاوزها وتعديها، ومن ذلك أنه لا مجال للعقل في الأمور الغيبيات -وهذا من فضل الله ورحمته بالإنسان، حيث لم يكلّفه ما لا يستطيع- وجعلت العصمة للوحي المتمثل في الكتاب والسنة، فلا تعارض عندها بين النقل الصحيح والعقل الفطري الصريح، وفي هذا تعظيم للوحي وجعله الحكم، وصيانة للعقل البشري من التمزق والانحراف، وللمجتمع من الفرقة والخلاف، ذلك أن دعوى المعارضة بين العقل والنقل هي أصل كل فساد في العالم..) مختصر الصواعق المرسلة1/293.
هذا خلافنا مع العلمانيين.. وهذا حد فصل بيننا وبينهم..
قال أبو المظفر السمعاني السلفي (ت489هـ) رحمه الله: (واعلم: أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول.
وأما أهل السنة، فقالوا: الأصل في الدين الإتباع والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول لجاز للمؤمنين أن لا يقبلوا شيئاً حتى يعقلوا) الحجة في بيان المحجة 1/320.
وقال الشاطبي رحمه الله: (العقل لا يُجعل حاكماً بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع، بل الواجب أن يقدم ما حقه التقديم -وهو الشرع- ويؤخر ما حقه التأخير -وهو نظر العقل- لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل؛ لأنه خلاف المعقول والمنقول) الاعتصام 2/326.
ويعتقد السلفيون أن الخطاب العقلي مطية قرآنية للوحي في كثير من المواطن الحوارية.. وهو أمر لا يلحظه أصحاب المواقف المسبقة وإن ادعوا الموضوعية…! نعم يلحظه بعض المخالفين المنصفين أو المخالفين ولو فلتة!
فقد أشاد (جاك بيرك) في كتابه (إعادة قراءة القرآن) (Relire le coran) بالخطاب العقلاني في القرآن وإلى دعوته إلى إعمال العقل.
وقال (ماكسيم رودنسون الفرنسي الماركسي) في (الإسلام والرأسمالية/العقيدة القرآنية): (القرآن كتاب مقدس تحتل فيه العقلانية مكانا جد كبير).
وقال: (العقلانية القرآنية صلبة كأنها الصخر). (نقلا عن العقل والعلم في القرآن الكريم، ص:61 للقرضاوي).
قلت: فاتهم أن يطلعوا على عقلانية السنة..!
أما نحن السلفيين فقد اطلعنا عليها فإنها تخصصنا ومنهما تعلمنا العقلانية!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *