هل الإجهاض يحول العلمانيين من دعاة حياة إلى دعاة قتل؟!

في ظل هبوب رياح التغيير على بعض الدول العربية، تسارعت الأحداث وتوالت الأخبار والمستجدات في الساحة الوطنية؛ وأخذ كل طرف يتولى منصبا أو يتقلد مسؤولية يحاول -ما استطاع إلى ذلك سبيلا- تمرير قوانين كان بالأمس القريب يتحين الفرصة السانحة للبوح بها! لكن عامل الوقت أصبح اليوم حاسما؛ فلا مجال لمراعات إثارة الرأي العام، ولا التظاهر باحترام ثوابت ومقدسات البلد، ولا التخفي وراء أقنعة لم يعد لها جدوى!!

فمباشرة بعد تهريب قانون رفع التحفظات على المادتين 9 و16 من اتفاقية سيداو؛ يجري العمل اليوم على قدم وساق لاستصدار قانون يبيح الإجهاض، ويؤطر الظاهرة ويخرجها من السر إلى العلنية!
وهو الأمر الذي تسعى إليه نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة؛ التي صرحت “أن تقنين الإجهاض مقتضى من ضمن المقتضيات التي تم اتخاذها في إطار الأجندة الحكومية للمساواة منذ شهر مارس الماضي..”، علما أنه بالأمس القريب كانت مناضلة حزب التقدّم والاشتراكية وعضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، تصرح “بأننا لم نستهدف مسألة الإجهاض بشكل خاص”.
وقد كلفها هذا التصريح في السنة الماضية انتقادا وجهه إليها رفيق دربها العلماني والباحث الاجتماعي عبد الصمد الديالمي الذي انتقد الجمعيات النسوية(féminines) والنسائية (féministes) المغربية التي تدافع عن حقوق النساء، لأنها لم تثر قضية الإجهاض ولم تطالب السلطات العمومية بإباحته وشرعنته، في عزّ نشاطها في ظل حكومة التناوب (1998-2002)، وفي إطار مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، بخلاف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الجمعية المغربية الوحيدة -حسب وجهة نظر الديالمي- التي تتبنى العلمانية وتدافع عنها صراحة، فإنها ترى أن منع الإجهاض وتجريمه لمن أسوأ التدابير للحفاظ على الحياة…
ووجه الديالمي الوزيرة -لتفادي من سماهم بالإسلامويين المدافعين عن شريعة الله- إلى تفنيد الحجة الإسلامية بالحجة الإسلامية نفسها بقوله: “لم تستغلّ نزهة الصقلي هذه الفرصة لتنبيه الإسلامويين إلى أن شريعة الله لا وجود إليها دون وساطة بشرية فقهية، وأنّ الوساطة الفقهية المالكية وحدها تحرّم الإجهاض منذ بداية الحمل، في حين أن الوساطة الحنفية تبيحه إلى حدود نهاية الشهر الرابع من الحمل”.
وكمنهجية لاستصدار قانون يبيح الإجهاض شدد عبد الصمد الديالمي أنه “لا بد من الضغط على الهيئات التشريعية (الملك والبرلمان) في اتجاه تحيين وتكييف الفصول القانونية المتعلقة بالإجهاض مع المعطيات الجنسية والاجتماعية الراهنة، ومع تطلعات كل القوى التي تريد للمغرب أن يكون حداثيا”. )الاجهاض بين التجريم والإباحة؛ عبد الصمد الديالمي(.
وقد استفادت الوزيرة جيدا من نصيحة الديالمي، وصرحت مؤخرا لإحدى الجرائد الوطنية بخصوص مشروع القانون الذي تقدمت به لإباحة الإجهاض، أن “من ناحية الاعتبارات الدينية هناك فترة نفخ الروح، وأنا أحيل هنا على الدرس الذي قدمه الدكتور رمزي في إطار الدروس الحسنية والذي تكلم فيه عن الاعتبارات الدينية، وقال إن الفقهاء متفقون جميعهم على أنه بعد 120 يوما فترة نفخ الروح لا تبقى أية إمكانية للإجهاض، باستثناء إذا كانت حياة الأم مهددة، أما قبل ذلك، فهناك آراء الفقهاء التي يمكن الاجتهاد حولها للتمكن من التوصل إلى حلول لفائدة المجتمع..”.
فالعمل قائم اليوم على قدم وساق لتعديل القانون المجرم للإجهاض، أو تهريب مرة أخرى قانون يبيح الإجهاض ويخلي سبيل الطبيب من كل التبعات القانونية المجرمة لهذا العمل، والتي قد تعرضه للسجن ومنعه من مزاولة المهنة مدى الحياة، وإزالة كل العوائق القانونية والطبية والتنظيمية التي تقف في وجه اكتساب المعلومات والحصول على خدمات منع الحمل “غير المرغوب فيه”!! بالنسبة للمراهقات وغيرهن، في سبيل السعي إلى تحقيق إجهاض آمن!
هكذا تحول العلمانيون بين عشية وضحاها إلى دعاة قتل لا دعاة حق في الحياة؛ كما يزعمون؛ كل ذلك ليتخلصوا من تبعات أطفال الزنا والحمل غير الشرعي الذي يمثل أغلب حالات الإجهاض.
فتسرب العلمانية إلى المناهج التعليمة وتحكمها في الإعلام والثقافة والفن واللباس هو السبب وراء هذه المصائب التي نتخبط فيها، فحالات الإجهاض ارتفعت نتيجة فشو الزنا وتيسير سبله وعجز وسائل منع الحمل عن الحد من تبعاته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم” رواه ابن ماجه.
ويكفي أن نعلم -وفق بحث ميداني- أن في مدينة الناضور وحدها 20 في المائة من المتعاطيات للدعارة قاصرات غالبيتهن تلميذات بالمرحلة الثانوية، وأن أكبر نسبة للبغايا تقع وسط الفئات العمرية المتراوحة ما بين 16 و 30 سنة!!! أما في المدن السياحية كمراكش وأكادير والمدن الكبرى كالدار البيضاء فالأمر أدهى وأمر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *