إلى جانب كونه سلة غذاء العالم، وتمتعه بكثير من الثروات الطبيعية، وأنه يسبح فوق بحر من النفط، وعلى أرضه تجرى أعظم أنهار العالم، فهو بلد مسلم كبير، وهو البوابة الجنوبية لدول الشمال الإفريقي، لهذا كله وغيره جعلت دول الاستعمار والتنصير منه هدفا وفريسة، وظلوا يتناوشونه على مدى قرون مضت، حتى تمت غايتهم وتقاسموا على أرضه الغنائم، بعد تجزئته وتشطيره.
فتمت لهم الخطوة الأولى وقسم السودان إلى سودانين شمال فقير مهدد بالنزاعات الأهلية والمؤامرات الخارجية، وجنوب متحالف مع قوى الغرب والكيان الصهيوني، يسيطر عليه متطرفي النصارى.
ومؤخرا كشف محمد أحمد عرديب المستشار السابق لرئيس دولة جنوب السودان ورئيس الحركة الشعبية “سلفاكير ميارديت”، وقائد حرسه الخاص لمدة 16 عاما، عن مخطط تقوده دولة جنوب السودان بدعم صهيوني/أمريكي لتدمير السودان وزعزعة أمنه واستقراره.
وقال عرديب في حديث لصحيفة (آخر لحظة) الصادرة في الخرطوم “إن زيارة سلفاكير الأخيرة لإسرائيل جاءت في سياق ذات المخطط”، مشيرا لدعم تل أبيب لجوبا(عاصمة الجنوب) بالسلاح لإنفاذ الإستراتيجية الغربية في السودان.
وأوضح أن هناك مجموعات داخل الحركة الشعبية رتبت من قبل للي ذراع الشمال بجنوب آخر، وتحدث عن الكثير من القضايا حول خيانة قيادات الحركة لاستراتيجيتها التي رسمها رئيسها السابق الدكتور جون جارنج دي مبيور.
والعلاقة بين الكيان الصهيوني وجنوب السودان ليست بالخفية، فمنذ اليوم الأول لولادة هذه الدولة وحتى قبل ولادتها والكيان الصهيوني يمثل الداعم الأكبر لها، وهي أول دولة أعلنت اعترافها بدولة الجنوب، وحينها أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التزام حكومته بمساعدة الدولة الوليدة في إطار علاقات مميزة، تتالت بعدها زيارات مسئولين ورجال أعمال إسرائيليين إلى جوبا حيث فتحت الأبواب على مصراعيها لاستثمارات في مجالات الزراعة والسياحة والاتصالات.
ويأتي هذا الأمر لسد الفراغ الذي أحدثه الربيع العربي، وسقوط المحاربين القدامى، المدافعين عن حياض إسرائيل ومصالح الغرب، وهذا ما كشفته صحيفة “معاريف” الصهيونية حيث بينت أن نتنياهو يعمل لإيجاد محور جديد -بعد سقوط الأنظمة الموالية لإسرائيل- وذلك بتعميق التحالف مع الدول المسيحية في القارة الإفريقية، ويأتي ذلك بسبب الخوف من سيطرة تيار الإسلام السياسي على دول شمال أفريقيا التي شهدت ثورات منذ مطلع العام الجاري.
وقال مسئول سياسي صهيوني رفيع لـ”معاريف” إن التغييرات التي بدأت في أفريقيا تؤثر أيضا على باقي دول أفريقيا التي تخشى تعزيز الإسلام الراديكالي، ومن تصاعد نفوذه وتأثيره على كامل القارة، مشيرا إلى أن هذه القضية تحظى باهتمام مشترك بين الدول المسيحية وإسرائيل التي تخشى من تصاعد المد الإسلامي.
ويشير عدد من المراقبين إلى أن العلاقة بين متمردي الجنوب- ومنهم سلفاكير- والكيان الصهيوني ليست وليدة اللحظة، بل قديمة قدم النزاع العربي الصهيوني، والتقارير العسكرية والاستخباراتية في ذلك تشير إلى دور المتمردين الجنوبيين في خلق حالة من الفوضى والتوتر إبان حرب يوليو عام 1967م، وهو ما حال آنذاك دون تقديم الجيش النظامي السوداني أي شكل من أشكال المساعدة لجاره المصري.
كذلك فإن للكيان الصهيوني دورا كبيرا في إتمام عملية الانفصال، أكد ذلك قادة الشمال باتهامهم تل أبيب في مناسبات عدة بدعم الانفصاليين الجنوبيين عبر خط إمداد بالسلاح إضافة إلى التدريبات الميدانية واللوجستية، وهذا الانفصال هدف سعى إليه الصهاينة منذ زمن لإتمام مثلث تحالفاتهم في القرن الإفريقي والذي يتمثل في إثيوبيا وإرتريا ودولة جنوب السودان.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث