المقاومة السنية العلمية للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي-

المثال الرابع، هو موقف الفلاسفة المسلمين المشائين من النبوة، فهم لم ينقلوا عن أرسطو وأتباعه شيئا عن النبوة، لكنهم قالوا فيها بأهوائهم وظنونهم؛ فذكر الشيخان ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، أن النبوة عند هؤلاء مكتسبة، وأن الله تعالى لم ينزل على بشر شيئا، وأنها -أي النبوة- تحصل بالحدس وقوة التمثيل والتأثير، وأن الفرق بين النبي والساحر هو أن الأول قصده الخير، والثاني قصده الشر، كما أن النبي هو من جنس الأذكياء الزهاد.
وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي، أن إخوان الصفا قالوا: إن النبي شخص فاضل تخلّق بمحاسن الأخلاق، وساق الناس بها، وأنكروا أن يبعث الله إلى الخلق رسولا.
وحكى ابن تيمية أن أبا نصر الفارابي، والأمير مبشر بن فاتك الإسماعيلي المصري، زعما أن الفيلسوف أعظم من النبي، وبهما تأثر الصوفية دعاة وحدة الوجود، كمحي الدين بن عربي الصوفي (ق:7 هـ)، فزعموا أن الولي أعلم من النبي، بدعوى أن النبي يأخذ بواسطة الملك، والولي يتلقى بلا واسطة.
وبما أن الفلاسفة المشائين المسلمين، ينكرون تكلّم الله تعالى، وإرساله الأنبياء للبشر، فقد ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية، أن ابن سينا وابن رشد وإخوان الصفا، زعموا بأن النبي خاطب جمهور الناس بطريقة التخيل، بمعنى أنه خاطبهم بما يُخيّل إليه، مع علمه أن ما يقوله لهم ليس حقا، لكنه كذب عليهم للمصلحة.
ونقول: أولا إن قولهم هذا هو كفر صريح، وزعم باطل، ودعوى لا دليل عليها، وتكذيب لله ولرسوله وللمسلمين، وهم زعموا هذه الخرافة لأنهم ينكرون تكلّم الله وإرساله للأنبياء، وزعمهم هذا يناقض دين الإسلام، ويتعارض مع التاريخ، من أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان صادقا في دعوته، وأنه تلقى الوحي عن الله تعالى، الذي قال: (قل إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إلي) فصلت 6، و(الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق) فاطر 31، و(إنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) النحل 6، و(تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) الجاثية 2، و(من كان عدوا لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله) البقرة 97، فالقائلون بتلك الخرافات هم أعداء لله ولجبريل، وللمؤمنين ولأنفسهم، وللعقل والعلم.
وثانيا إن ما زعمه هؤلاء من أن النبوة مكتسبة، هو قول بلا علم، وجهل كبير بمفهوم النبوة في الإسلام، فهي ليست مكتسبة، وإنما هي اصطفاء من الله تعالى، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، قال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إليّ).
والتاريخ يشهد على ذلك، فقد أدعى النبوة كثير من الناس، لكن الله تعالى خذلهم ولم ينصرهم، ولم يأت ولا واحد منهم بمثل ما أتى به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يحقق ولا واحد منهم ما حققه هذا النبي الكريم الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام.
ومن هؤلاء الدجالين المخذولين الذين قالوا: إن النبوة مكتسبة: الفيلسوف الصوفي ابن سبعين (ق:7 هـ)، كان يسعى ليصبح نبيا، فرحل من المغرب إلى مكة المكرمة، ونزل بغار حراء لعل الوحي ينزل عليه. ومنهم أيضا: الفيلسوف الشهاب السهروردي المقتول، فإنه كان يريد أن يصبح نبيا. لكن الله خذله هو وأمثاله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *