مما حرمه الله علينا

يهتم الإسلام بتربية أفراده على أساس من الفضيلة والخلق القويم, ويهتم كذلك بتنشئة الجيل الإسلامي تنشئة عالية, تبعده عن روح الانحلال والميوعة، وتدفع به إلى معالي الأمور, ومن الأحاديث النبوية التي تتجلى فيها هذه المعاني ما أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الهم عليه وسلم قال: “إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات, ومَنْعًا وهَاتِ, ووأد البنات, وكره لكم قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال”.
قال الطيبي رحمه الله: “هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق, وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجليلة” الفتح 10/502.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (عقوق الأمهات): العقوق: مصدر عق إذا عصى وأساء المعاملة.
و”خص الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء, ولينبه على أن برّ الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك” الفتح 5/86.
وقوله: (منعا وهات): “فمنعا مصدر منع يمنع, وأما هات ففعل أمر من الإيتاء, قال الخليل: أصل هات آت، فقلبت الألف هاء” انظر الفتح 10/499.
والحاصل من النهي أي: يمنع ما وجب عليه من حق للغير, ويطلب ما لا حق له فيه, كالشخص الذي يمتنع عن وفاء الدًَّيْنِ, ويطلب إعطاءه حقوق الآخرين فهو بذلك ظالم معتد.
وقوله: (وأد البنات): (وأد) يسكون الهمزة هو دفن البنات على قيد الحياة, وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن، وجاء الإسلام وحرم ذلك, قال تعالى: “وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ”.
وقوله: (كره لكم قيل وقاتل): أي كثرة الكلام بحيث لا يؤمن معه الوقوع في الزلل, أو الجدال بالباطل, وهذا من اللغو المنهي عنه, قال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ”.
وقوله: (كثرة السؤال): المراد أن يسأل الإنسان عما لا يعنيه, أو السؤال عن المشكلات والمعضلات التي لا نفع فيها, وقيل كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان, أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله, وقيل المقصود كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو ينذر جدا, وقيل المراد معارضة أوامر الرسل بذلك كما في الحديث: “إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم وإختلافهم على أنبيائهم”, والأولى حمل الحديث على كل ذلك ونحوه. انظر الفتح 10/500.
وقوله: (إضاعة المال): “قال الجمهور إن المراد به السرف في إنفاقه وعن سعيد بن جبير: إنفاقه في الحرام” الفتح 5/86, “والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية, فمنع منه لأن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد..” الفتح 10/501.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *