هل سمع أحد منكم عن دفاتر تحملات خاصة بالإعلام العمومي من قبل، هل سمع أحد منكم ضجيجا وصراخا وعويلا وتباكيا على الهوية والديمقراطية والمقاربة التشاركية. أنا شخصيا لم أسمع بها من قبل ولم أكن أعلم أن هناك دفاتر وبالأحرى أن أعلم عن طريقة إعدادها، فتأملوا.
دفاتر التحملات التي صيغت في عهدي نبيل بن عبد الله وخالد الناصري، لم يعرفها أو يسمع بها أحد، والواقع الذي كان عليه الإعلام العمومي عامة والقناة الثانية خاصة، لم يكن يعكس أبدا هوية الشعب بل كان يحاربها ليل نهار، ثم لا تخجل الكائنات العلمانية من القول أن الدفاتر الجديدة تعكس رؤية أحادية واتجاها لفرض تصور معين لا يراعي هوية الشعب، فتأملوا.
الثلاثي المرح سليم وسطيل والعرايشي موظفون تابعون لوزارة الاتصال، ورغم ذلك خرجوا في خرجات إعلامية لم يشهد لها تاريخ المغرب مثيل، وتحدوا قرارات وزارتهم وعارضوها علانية، وكأنهم حزب معارض أو توجه سياسي منافس، موظفون يمارسون من داخل الإعلام العمومي معارضة لوزارتهم بكل تحدي، ويمررون أفكارهم وأيديولوجيتهم، فتأملوا.
عدد من وزراء الحكومة، المفروض أن يعبروا عن الانسجام الحكومي وأن يتعاونوا في تنزيل البرنامج الحكومي، اختاروا المعارضة من داخل الحكومة، بل بعضهم لا علاقة له بالميدان ويتولى وزارة أخرى كنبيل بنعبد الله، وإلا فما علاقة وزارة السكنى والتعمير بالموضوع، فتأملوا.
الحكومة تمثل الشعب الذي اختارها، مدعومة بالدين والهوية والثقافة والتقاليد والدستور والقوانين، لكنها رغم كل ذلك تلقى مقاومة شديدة من أقلية معزولة لا تمثل أي شيء، ومن الممكن أن تفشل وزارة الخلفي في إجراء هذه التغييرات الطفيفة والبسيطة، من الممكن أن تفشل في تنزيل مقتضيات الدستور، من الممكن أن تفشل في التعبير عن آراء وطموحات وآمال الشعب، فتأملوا.
حصة البرامج الدينية في القناة الثانية تمثل 1 بالمائة وهي أقل حصة في الشبكة البرامجية، وتفوقها حصة الأفلام والترفيه بسبعة أضعاف، ومع ذلك لا تخجل الطغمة العلمانية من إطلاق شعارات من قبيل “خونجة التلفزيون” و”أسلمة التلفزيون” و”تديين التلفزة” وغيرها من شعارات التهويل والترهيب، فتأملوا.
اللغة الفرنسية في القناة الثانية احتفظت بنفس نسبتها بل قد تفوق النسبة ما كانت عليه في السابق، وكل ما حصل هو إعادة توزيع إن صح التعبير، فعلى سبيل المثال تم نقل نشرة أخبار الثامنة و45 دقيقة، إلى الحادية عشرة والنصف، رغم أن توقيتها الأصلي كان هكذا قبل أن تنقلها السطيل، ورغم أن الجديد الذي يجب أن نصفق له هو الاهتمام باللغة العربية واللهجات الأمازيغية والحسانية، إلا أن العلمانيين لا يستطيعون النظر بغير نظاراتهم القاتمة، لحد جعلهم يحذرون من تعريب القناة الثانية، بل جعل أحد كبرائهم يصرخ لا تمسوا تعددي اللغوي سيدي الوزير، فتأملوا.
المغرب بلد مسلم واقعا وحقيقة، وينص دستوره على ذلك، لكن رغم ذلك فإن بث الآذان وصلاة الجمعة والعيدين في التلفاز، جعل البعض يولول ويضع يده على قلبه خوفا على مستقبل المغرب، لحد جعل صوتا نشازا للعلوي المدغري يرتفع بالعويل صارخا: “حذار من أسلمة المغرب”؟؟؟ فتأملوا.
رغم المهرجانات وحفلات العري والمجون والخلاعة في القناة الثانية وأفلام ومسلسلات من جميع بلدان وثقافات العالم، رغم كل ذلك صنف المغرب كأتعس بلدان العالم، والتعاسة والكآبة والبؤس مرتبطة في أذهان العلمانيين بمنع الفن، وهكذا وصفوا التلفزيون بعد تطبيق دفاتر التحملات بالتلفزيون الكئيب والتلفزيون البئيس والتعيس، لكن هل تم منع الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والأغاني فعلا من التلفاز، الأمر على العكس تماما حيث حملت الدفاتر على عاتقها تشجيع السينما والرياضة، والإنتاج الفني الوطني، وإعطاء الأولوية والأهمية للعربية والإنتاج المغربي، فتأملوا.