جاءت ثورات الربيع العربي بغثها وثمينها فأتاحت الفرص لتيارات الإسلام السياسي ولكثير من الاتجاهات الدعوة في المشاركة في صناعة القرار، ورسم خارطة الطريق لمعظم بلدان هذا الربيع، وفي الوقت ذاته تركت العنان لكل ناعق يريد الخراب ولكل عابث في مصائر البلاد والعباد.
وفيما يخص الحالة المصرية فقد كان الصراع في أعلى مراتبه بين قوى الإسلام السياسي والاتجاهات الدعوية من جانب وبين القوى العلمانية والليبرالية والنصارى من جانب آخر، وزاد من حدة هذا الصراع ركون العسكر في أحايين كثيرة إلى الجانب المناوئ للقوى الإسلامية طمعا في السلطة، وخوفا من سيطرتهم ومن ثم محاسبة العسكر على جرائمه التي ارتكبت طيلة الفترة السابقة.
كذلك لا يمكننا بأي حال من الأحوال إغفال العنصر الخارجي في هذه القضية، حيث لعبت دول كبرى وهيئات دولية مشهورة دورا خطيرا في تأجيج هذا الصراع، فكان للدور الأمريكي واليهودي أعظم الأثر في تقوية الجانب العلماني ماديا ولوجستيا وسياسيا، وظل الإعلام الغربي لفترة طويلة يحذِّر من القوى الإسلامية ويخوف الجميع منها، وقد كان لورقة النصارى والأقليات -كذلك- دور كبير في إثارة الرأي العام المحلي والعالمي، سيما بعد حدوث عدد من الحوادث الطائفية.
ومن ثم أخذت القوى المناوئة للقوى الإسلامية في تجميع شتاتها لمواجهة الإسلاميين، وقد حدث ذلك في مرات عدة، خاصة قبل كل استفتاء أو انتخاب، وكانت النتيجة تخرج في كل مرة بفوز ساحق للإسلاميين، ولعل هذا الأمر راجع إلى صدق التوجه وإخلاص النية والهدف، وهو الأمر الذي يعز وجودة في الجانب العلماني أو من ناصره.
وكان من آخر هذه التحالفات أو قل (المؤامرات) ما قام به رئيس حزب الوفد المصري بعد الفشل الذريع الذي شهدته مظاهرات 24 غشت، والتي نظمتها قوى علمانية وقبطية وبعض فلول نظام مبارك من أجل إسقاط الرئيس الإسلامي محمد مرسي، حيث أعلن حزب الوفد العلماني عن تحالف جديد في مواجهة الإسلاميين. وكشف البدوي رئيس حزب الوفد عن وجود مشاورات يجريها حزبه مع قوى وطنية لتدشين “تحالف الأمة المصرية”. وقال البدوي إن ذلك التحالف سيضم 50 شخصية عامة، في حين سيتم إعلان المبادئ الخاصة به في قادم الأيام.
وعن الخلفية الفكرية لهذا التحالف أوضح حسام الخولى المتحدث باسم حزب الوفد أن ذلك التحالف سيضم قوى مختلفة أيديولوجيا ولكنها مجمعة على “مدنية الدولة”.
ومسألة “المدنية” هذه أكذوبة علمانية لا أصل لها فيما يعرف من علوم السياسية، وهي كذبة المقصد الرئيس منها تمييع قضية الدين وقتلها في نفوس المسلمين تحت دعاوى الحرية والحفاظ على الدين بعيدا عن دنس الساسة والسياسة.
والذي يدلك على سوء نيتهم وبشاعة ما تحويه طويتهم، إقصائهم للإسلاميين ورفضهم التشارك مع أي فرد ذي توجه محافظ، حيث أفاد المتحدث باسم حزب الوفد أن هذا التحالف سيكون بعيدًا عن التيار الإسلامي، ولن يسعى لضم أحد من رموز التيار الإسلامي إليه، وهو توجه إقصائي طالما نددوا به وتباكوا على فاعليه من الإسلاميين.
يذكر أنه قد سبق وأن أعلن أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية عن تكوين تحالف سياسي ديمقراطي لمواجهة ما أسماه بـ”المد الديني الوهابي”. وأوضح حرب أن التحالف مفتوح لكل الأحزاب والحركات السياسية المؤمنة بمدنية الدولة من بينهم الإسلاميون المعتدلون، لمواجهة ما قال عنه “المد الديني الوهابي المتشدد الدخيل على مصر”.. ولكن الوضع اختلف الآن ونحّت القوى العلمانية أية وجود إسلامي بينهم.
وفي الانتخاب النيابية الأخيرة التي شهدتها مصر كون النصارى جبهة مضادة، لكي يواجهوا تيار الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية الأخرى، وجاء هذا تحت تحالف ما سمي بـ”الكتلة المصرية”، وفيه تحالفوا مع جميع القوى غير الإسلامية من الليبراليين والعلمانيين، واليساريين لمواجهة الإسلاميين.
وفي الآونة الأخيرة أطلق حمدين صباحي المرشح الساخر في انتخابات الرئاسة عن تكوين ما يسمى بالتيار الشعبي، وهو تيار لا يختلف كثيرا في أهدافه ووسائله عما سبقه من تحالفات، حيث يتفق الجميع في هدف واحد وهو مواجهة المد الإسلامي.