لو قيل لك دعني أسب أمك، أتراك تقره تحقيقا لحرية التعبير؟!
هكذا سطر الأعداء قوانينهم لسب ديننا وشتمنا، وقالوا حرية الرأي والتعبير، ولو سببناهم وشتمناهم، لقالوا إرهاب وتطرف، وفي زمن الخداع والكذب، تطلع علينا المؤتمرات والندوات الأمريكية والأوربية بمصطلحات التهدئة، وصب الماء على النار، فيرفعون شعارات حوار الحضارات، ولواء التعايش، وهم في الحقيقة يمارسون العنصرية والإقصاء، ويهدمون بشكل أو بآخر حضارات الآخرين.
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
كل له نية في بغض صاحبه والحمد لله نقلوكم وتقلونا
وللأسف لا يزال كثير من المسلمين يكنون لهم كل التعظيم والتبجيل؛ [أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا]، فياليت أكثرهم يعلمون أن [لله العزة ولرسوله وللمؤمنين].
ولعل هذه الهجمات جاءت ردا على الاتساع الملاحظ للإسلام في كثير من أصقاع العالم، حتى داهمهم في ديارهم، فضاقوا به ذرعا، وخافوا على شهواتهم، فانبعث أشقياؤهم للدس للإسلام، بعد أن لم تقض معاول الإغراء والتشويه عليه، إذ أنهم طال ما استعملوا أسلحة فتاكة فعلت في المسلمين فعلتها، فقادوهم إلى الفسق والفجور وشتى الموبقات بزمام العولمة، وأغروهم بالملاهي فدوخوهم وذللوهم، ولا يزال نبض في أهل الإسلام ينبض، ولا يزال أثره وإن كان ضعيفا يظهر في كثرة من يدخل في الإسلام، ولا يزال التاريخ والإعجاز يظهر ضياء الحق لمن راموا الهدى، وكثيرا ما أغاظ ذلك أهل الحقد من الملل الأخرى، وأزعجهم ما وصل إليه الإسلام على ضعف وسائله وأهله، مقارنة إلى تلك النتائج الهزيلة التي يصلون إليها بإضلالهم وتنصيرهم، وتشويه الدين في أعين أهله والراغبين إليه من غير أهله، فزاد حنقهم وفقدوا تركيزهم، وانقضى ما يبتجحون به من الحكمة والسياسة وحسن التصرف، فعمدوا إلى رمز الأمة فسبوه وشتموه، فعليه من الله السلام.
لقد آن الأوان أن يستفيق المسلمون من رقدتهم، فيعرفوا حق دينهم، ويتحدوا تحت أوامر شرعهم، ويلتووا في مثل هذه الحالات الحرجة، والهجمات المتكررة، بلواء العلم، فلا حرق الأعلام ينفع، ولا قتل السفير الأمريكي ينصر الإسلام، ولا مقاطعة السلع يشفي القلوب؛ وتلك الأمور وإن كانت نكاية في العدو ماداموا قد مسوا الإسلام في رمزه، فإن الحل أكبر من ذلك وأنجع، وأحكم وأنفع، فالحل أن يرجع المسلمون إلى دينهم ويتعلموه ويتمسكوا به، فإذا كان ذلك فستقضي الأمة على غشها، وستتقيأ فسادها، وستندمل جراحها، وحين ذلك يأتي الإحساس بالمسؤولية كل بحسب موقعه ومنصبه، لتضخ دماء جديدة في جسم الأمة، وتنشط أعضاؤها بكل وظائفها.
ومن العجيب أن تكون كل الثروات في بلاد المسلمين ثم لا يستقلوا بأنفسهم، فمادام احتياجنا إلى غيرنا فإن العلاج سيطول، والعافية ستتأخر، فبأي سلاح ستحارب العدو يا من ينادي بالجهاد وأنت تشتري السلاح من عدوك، وبأي دواء ستتعالج وأنت تنتظر وصوله من أرض عدوك، بل بأي غذاء ستتقوى وأنت تموت جوعا ما لم يتفضل عليك عدوك بلبانه ودقيقه.
قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} والقوة المقصودة هنا أكبر من أن تشمل قوة السلاح أو قوة البدن فقط، فهي قوة عامة تشمل القوة الاقتصادية والسياسية والحربية وغير ذلك.
ولو تفكر القوم لعلموا أن الإسلام أولى بما يزعمونه من المبادئ السامية من أمان ورخاء وسلام، ولحلوا جل مشاكلهم في ظل حكم الإسلام، الذي لم يغفل جانبا من جوانب الحياة إلا عالجه، وقد سجل التاريخ بذلك للمسلمين زمان تحكيم دينهم، ولا تزال بقايا حضارتهم شاهدة، أما العصر النبوي فقد كان العصر الذهبي في نظام الحكم، والفضل ما شهدت به الأعداء؛ قال الأديب الإنجليزي جورج برناردشو: “لو تولى العالم الأوروبي رجل مثل محمد لشفاه من علله كافة، بل يجب أن يُدعى منقذ الإنسانية، إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشرائط اللازمة وتكون موافقة لكل مرافق الحياة، لقد تثبتت بأن دين محمد سيكون مقبولا لدى أوروبا غدا، وقد بدا يكون مقبولا لديها اليوم، ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد يحل مشاكل العالم”. ومثل هذه المقالات الشاهدة كثيرة لها تنظر في مواضعها.
“ولقد أقدم هؤلاء المبطلون على الإساءة إلى الرحمة المهداة للعالمين، ورسمه ووصفه بما يعاكس وصفه، وما هم إلا كقريش لما أقدمت على شتم مذمم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد، فرسومهم لا تمثل إلا راسمها ومن هو وراءه فافتضحوا في العالم وساءت سمعتهم وكسدت تجارتهم وبارت سلعهم، وصاروا مثل السوء وجروا لقومهم بلاء، وظهر للعالم أن سلاحهم سلاح الضعيف الدنيء تشهره همة سافلة ويد قصيرة.
فإنك لم يفخر عليك كفاخر ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
فياعجبا حتى كليب تسبني كأن أباها نهشل ومجاشع
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة بأني كامل
فهيهات هيهات فما من أحد منهم يرى أو يسمع إلا بحث وسأل وقرأ، إن كان قارئا، فيعرف من فضائل ومزايا وخصائص الإسلام ورسوله فوق ما يتصور، فيجد في الإسلام الدواء الشافي لدائه والحل السريع لعقدته:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار في ما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
فسيجد الباحث في شمائل محمد صلى الله عليه وسلم، رجلا عاقلا حازما حليما رفيقا رحيما، وكتب الخصائص شحنت أبوابها وفصولها بجماله ونظافته، وفصاحة لسانه، وشرف نسبه، وكرمه وجوده، وشجاعته وحيائه، وحسن عشرته، وتواضعه ووقاره، وكفى ذلك توشيح ربه له بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ألا فليفخر كل مسلم بنيه صلى الله عليه وسلم، وليبحث كل منصف عن صفاته وحقيقته.
ومن أولئك المنصفين الذين قادهم إنصافهم إلى الإسلام: (إسحاق بتلر) رئيس لجنة التنصير بإفريقيا وغرب آسيا سابقا، في كتابه (لماذا أسلمت) وهو عبارة عن رسائل منها: الرسالة الأولى: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والأنجيل، الرسالة الثانية: صفات محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والأنجيل، وأطال في ذلك وأطاب. ولسنا نحتاج إلى جلب دهش المفكرين الغربيين من عظمة الإسلام ورسوله الكريم من مستشرقين وغيرهم لأن رسولنا في غنى عن ذلك.
وما كنت أظن حرية الصحافة تبلغ إلى حد انتهاك حرمات الأمم، وإهانة المقدسات، فقد أساء هؤلاء على ربع سكان هذا الكوكب الأرضي، أو ما ينيف عليه أعظم إساءة، وجرحوا شعور 1هؤلاء البرءاء من غير موجب يقتضي ذلك”.
إنّا ليؤلِمُنا تطاوُلُ فاجرٍ…ملأت مشاربَ نفسه الأقذارُ
ويزيدنا ألمًا تَخاذلُ أمّةٍ…يشكو اندِحارَ غثائها الْمليارُ
ومما دبجه يراع أستاذي الشاعر الموريتاني محمد بتار في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم:
ربيع طيبة أنت المجد والعبر منك العيان ومن أعدائك الخبر
حديثك العنبري إن اللسن قد خرست فاصدع بما كتمت من أمرك البشر
من الذي ائتم جمع الأنبياء به بالقدس صفا وروح القدس ينتظر
حدِّث هديت مَن الوافون إن غدرت جيرانهم ومن العافون إذ قدروا
لا غرو إن نقم الأعداء مرحمة إن اللئام إن أكرمتهم بطروا
ضاقوا بما شهدوا ذرعا ولم يجدوا عيبا فعابوا بما ضمت لهم بجر
إذا طغا الخصم والمظلوم ذو حصر فلتحكم الكتب والتاريخ والسير
لله يا عصبة الإسلام ما بلغت منك العداة وما حاكت لك الغِيَر
مِن دون ما سامك المستهزئون أسى تدمى المدامع والأكباد تنفطر
أما مقام إمام المرسلين فلا خوف عليه ولا منٌّ لمن نصروا
إن تنصروه فإن النصر منه وإنْ لا تنصروه فإن الحق منتصر
إن الذي قد كفى المستهزئين به من قبل باق على الباقين مقتدر
———
من كلام شيخي علامة موريتانيا محمد فال [اباه] في الرد على الصحيفة الدانماركية.1