تأثيرات الربيع العربي على القضية الفلسطينية:
الصخب الذي اقترن بالربيع العربي والضجيج الذي نجم عنه شكَّل حاجزاً قوياً بين القضية الفلسطينية وبين مكانتها العالمية المعتادة. فقد توارت أخبار القضية وأولوية أحداثها أمام الزخم المتدفّق من أصداء ثورات «الربيع العربي»، التي بدأت تحتل الصفحات الأولى في الصحف وتتصدر نشرات الأخبار لأنها ملأت الدنيا وشغلت الناس. إن تلك الثورات مسؤولة جزئياً عن بعض الجمود الذي أصاب القضية الفلسطينية ووصل بها إلى ما آلت إليه.
فقد شكل الربيع العربي وضعا متدهورا في الدول العربية ولم تعد الحكومات ولا حتى الشعوب مهيأة للمضي بالاهتمامات القديمة والثابتة نفسها لقضية العرب الأولى. ويكفي أن نتذكر هنا، أن شعارات ثورات «الربيع العربي» كانت كلها ذات طابع داخلي تدور حول الفساد والاستبداد والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية وسحق الفقراء، لقد كان مدهشاً بل ومؤلماً، أن نكتشف خلو شعارات «ثورات الربيع العربي» من الشأن الخارجي والدور القومي.
فالعراق خرج من الساحة مبكراً بفعل أحداثه قبل الغزو الأميركي وبعده.
وسورية التي كانت تأوي اللاجئين، دخلت في نفق مظلم يضيف إلى اللاجئين الفلسطينيين الملايين من اللاجئين السوريين.
فضلاً عن غياب الاستقرار في لبنان والأردن وليبيا، ومشكلات الخليج الناجم بعضها عن التدخل الإيراني الرافض للنظم العربية والمتربص ببعضها، واليمن الذي أصبح ساحة قتال بين الفرس والعرب.
فالقضية الفلسطينية حسب هذه المعطيات، تراجعت أهميتها كثيراً، خصوصاً في غمار أحداث «الربيع العربي» وما جاءت به وما وصلت إليه.
ما يعانيه الغزيون على عهد السيسي من حصار وقهر وتضييق، لم يعيشوه من قبل أبدا، وموقف السيسي من حماس، تابع لموقفه من الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية عموما، لكن ما ليس مفهوما أبدا هو موقفه من الضفة وسلطتها.
تأثيرات سيطرة السيسي على الحكم في مصر:
موقف عبد الفتاح السيسي من غزة وشعبها وحكومتها، أمر واضح لايحتاج لنقاش، فما يعانيه الغزيون على عهد السيسي من حصار وقهر وتضييق، لم يعيشوه من قبل أبدا، وموقف السيسي من حماس، تابع لموقفه من الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية عموما، لكن ما ليس مفهوما أبدا هو موقفه من الضفة وسلطتها.
بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، ووصوله إلى كرسي الرئاسة المصرية، كان الكثيرون ينظرون إلى أن العلاقة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسيسي ستكون في أبهى صورة لها؛ نظراً للقواسم المشتركة بين الرجلين، لكن سرعان ما تحولت تلك الصورة إلى قاتمة وسوداء بعد أن أُدخل فيها النائب المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، ليكون العنصر الأساس وصاحب الامتياز الخاص.
لكن يبدو أن مرحلة التستر على العلاقات السيئة والمتدهورة بين السلطة الفلسطينية والحكومة المصرية، وصلت إلى نقطة الصفر واللاعودة، وبدأت تظهر على الساحة مؤشرات قوية تؤكد أن “شهر العسل” قد انتهى، وأن الطرفين سيدخلان مرحلة “الطلاق السياسي والدبلوماسي”.
منها قرار جهاز المخابرات المصري، الصادر في 27 فبراير، بمنع دخول أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، رئيس اتحاد كرة القدم، اللواء جبريل الرجوب، للأراضي المصرية، وترحيله على نفس الطائرة التي جاء بها للأردن، الذي لم يكن مفاجئاً.
ما جرى مع الرجوب يعيدنا للحديث عن الزيارة التي أجراها صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للقاهرة قبل، في السبت 25 فبراير، ولقائه المسؤولين المصريين، يؤكد أن الزيارة كانت “فاشلة”، وأن الفجوة بين السلطة والنظام المصري تتسع يوماً بعد يوم، على عكس البيان الذي صدر عن عريقات وكان يشع تفاؤلاً.
وهذه هي المرة الأولى التي تمنع فيها مصر مسؤولاً فلسطينياً بحجم الرجوب، الذي تقلد عدة مناصب في السلطة الفلسطينية، من بينها منصب مدير الأمن الوقائي، وكذلك مستشار الأمن القومي، قبل أن يصبح عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، ويختار أمين سرها.
العلاقة بين عباس والسيسي دخلت فعلياً مرحلة “الطلاق السياسي والدبلوماسي”، وأن النظام المصري أعد قائمة كبيرة سوداء لرجال عباس في السلطة وحركة فتح لمنع دخولهم الأراضي المصرية؛ لمعارضتهم جهود مصر لعودة دحلان للحركة، وانتقادهم ما جرى بمجلس الأمن الدولي، وطلب مصر عدم تقديم مشروع الاستيطان للتصويت عليه قبل أشهر، ومن هؤلاء توفيق الطيراوي، ومحمود العالول، وحسين الشيخ، وعباس زكي.
وحسب متتبعين فإن ما جرى رسالة ضمنية لعباس بأنك لست المتصرف الوحيد، وأنه تعبير عن خلق بدائل جديدة للقيادة الفلسطينية، موضحاً أن مصر بثقلها الأمني والسياسي عبرّت عن سخطها من تجاوز عباس لتوجيهاتها وقراراتها، وخطوتها رسالة بأنها موجودة وأنها حاضرة، ولن تسمح لعباس أن يرمي بقراراتها عُرض الحائط”.
ترامب والقضية الفلسطينية:
تهديدات ترامب المتواصلة حتى اللحظة بنقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس المحتلة، لم تكن الملف الأول الأسود الوحيد الذي سيختبر توجه ترامب في المنطقة بعد أسابيع من جلوسه على كرسي الرئاسة الأمريكية، بل الأمر تعدى ذلك حين قرر معاقبة الفلسطينيين “ماليًا وسياسيًا”وتوجيه تهديد مباشر للرئيس محمود عباس.
ولعل أول رسالة تهديد رسمية وصلت السلطة الفلسطينية التي كشف عنها مسؤول رفيع المستوى بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حذر السلطة من مغبة التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل.
وهددت إدارة ترامب باتخاذ خطوات عقابية شديدة ضد السلطة في حال أقدمت على هذه الخطوة مثل وقف تام للمساعدات الأمريكية المقدمة للسلطة وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في العاصمة الأمريكية واشنطن واتخاذ خطوات شديدة أخرى من شأنها أن تلحق الضرر الكبير بمكانة وموقع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي حربه الاقتصادية والعقابية ضد الفلسطينيين، يعمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إعداد أمر رئاسي لتقليص حجم المساعدات للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تعترف بالسلطة الفلسطينية كدولة، وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن خفض المساعدات سيصل إلى 40% على الأقل.
وكان مسؤول فلسطيني قد كشف النقاب عن أن إدارة ترامب قررت إلغاء حزمة المساعدات التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما للسلطة الفلسطينية قبل رحيله عن البيت الأبيض، التي تقدر بـ221 مليون دولار، وتحدثت الحكومة الفلسطينية أن تراجع المنح المالية كان نتيجة لانضمام فلسطين إلى عديد من المنظمات والمعاهدات الدولية، خاصة الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.