تنتظر سوريا تغييرا واضحا في زاوية مسارها نحو التحرير هذه الأيام؛ فمع جمود الموقف السياسي للنظام وحلفائه، بدا أن أرض الشام على موعد مع جديد مصيري.
المحيط من حول سوريا يتغير بالترافق مع التغير الميداني لاسيما في شمال البلاد، والسيناريو المعد خارجياً للتعامل مع الأزمة السورية يحتاج من صانعيه إلى إعادة ترسيم؛ فلقد جرى العرف في التعاطي مع النظام السوري أن الغرب يمني معارضيه لاسيما في لبنان بوقوفه إلى جانبهم غير أنه في النهاية يلجئهم إلى التراجع ثانية إلى الوراء حين لا يطور ما ينظر إليها على أنها ضغوط على نظام دمشق.
حصل ذلك عدة مرات، ومنها حين سمح لقوى 14 آذار أن تطالب بجلاء الجيش السوري عن لبنان قبل سبعة أعوام، ومارس الغرب قدراً ضئيلاً من الضغط سرعان ما تراجع عنه حينما سمح لدمشق بالتواجد الاستخباري النوعي فوق الأراضي اللبنانية وساعدها على استعادة دورها في لبنان.
والأمر عينه حصل بعد ذلك بعامين عندما حرك بارجة أمريكية مقتربة من السواحل اللبنانية في أعقاب اجتياح “حزب الله” الموالي لإيران وسوريا لبيروت، لكنه أيضاً تراجع بسرعة ليترك القوى السنية والطوائف المتحالفة معها نهباً للإرادة السورية الرسمية.
لا جديد الآن، فواشنطن وباريس وغيرهما بعدما حقق السوريون الأحرار بعض الانتصارات أرادوا أن يعودوا بالأحداث القهقرى ويلزموا المعارضة السورية، أو بالأحرى يشكلوا معارضة شكلية قوامها من التيار اليساري والمجموعات الليبرالية والقومية تقبل بالتفاوض مع النظام الإجرامي في دمشق، وباسم توحيد المعارضة تأتي الخطوات باتجاه حرف المعارضة السورية عن مسارها التحرري، وتمهد لذلك واشنطن تحديداً، وعبر تصريح وزيرة الخارجية كلينتون بأنها ترصد نمواً للتطرف لدى بعض أطراف الثوار، وبأن المجلس الوطني لم يعد ممثلاً حقيقياً وكاملاً للثوار، وهي كلمة حق نسبياً يراد بها باطل كلياً..
إنما الجديد الآن، أن الثورة السورية لا تسمح بإعادة فكها وتركيبها على الهوى الأمريكي أو الغربي، ومعطيات الداخل الميداني تخالف التوهمات الأمريكية بإمكانية السيطرة الكاملة على مسار الثورة في الوقت المناسب.
لقد جرى التعويل على أن إقامة ستار حديدي يحول بين الأحرار والحصول على المضادات الأرضية والصواريخ القادرة على إسقاط طائرات العدوان الأسدية، كفيل بضبط إيقاع الثورة وإلجاء زعمائها على قبول الحل الأمريكي في نهاية المطاف، والمتمثل في إعادة إنتاج النظام الأسدي بصورة تجميلية تقبلها تل أبيب، غير أن الواقع يخالف هذه التوهمات، إذ إننا حين نرصد مراوحة في السيطرة والتحرير، والقصف والعدوان على المناطق المحررة نرصد أيضاً خطاً بيانياً واضحاً يدلل على الصعود المتكرر إلى الحد الذي جعل موسكو لا تطمئن إلى المعالجة الإيرانية وحدها للموقف لتشرع في عمل غطاء سميك من الوقاية العسكرية والإعلامية والسياسية بغية السيطرة على الموقف دون جدوى.
إن المزعج اليوم في دوائر صنع القرار الغربي والشرقي أن الأحرار شبوا عن طوق رانه المتآمرون على الشعب السوري، وغدوا ماضين في طريق التحرير، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم..