خرجت علينا إحدى “الرفيقات” وهي عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي المتهالك “التقدم والاشتراكية” ونائبة برلمانية تسير أحيانا جلسات البرلمان (لكونها النائب الثامن للرئيس)، في الأيام الأخيرة؛ لتوجه نقدا لاذعا لمن لا زال يعطي قيمة لبعض مفاهيم العفة المتآكلة، كثقافة افتضاض البكارة؛ على حد زعمها.
حيث قالت المدعوة شرفات أفيلال في اجتماع لجنة لتدارس قانون جديد لتحديد الحد الأدنى لسن الزواج، في معرض تعقيبها على الوزير مصطفى الرميد بصوت عال: “إن البكارة أصبحت قيمتها 500 إلى 1000 درهم، ولا يجب الحديث عن مثل هذه المفاهيم في القوانين المؤطرة”، ثم استمرت في انتقاد ما وصفتها بالمفاهيم المتآكلة والمتلاشية والمهترئة من قبيل افتضاض غشاء البكارة.
هذا كلام يصدر من إحدى نائبات الأمة المغربية وهي عضو لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج داخل البرلمان، وهو ما يدل على جرأة نسائنا المتأثرات بالثقافة الجنسية الغربية التي لا حدود لها، ولا ضوابط شرعية أو عرفية اجتماعية تكبحها!!
ومعلوم أن العلمانيين دائما يرمون المتمسكين بالعفة بتهمة النفاق سواء على مستوى المظهر أو على مستوى السلوك، وفي هذا الشأن، يقولون: إن حفاظ المرأة على بكارتها، واعتماد البكارة حجة على عفة المرأة من النفاق؛ بحكم أن العديد من النساء قد تفقدها بسبب حادث أو ربما هذا الغشاء غير موجود عندها، كما أن اعتماده دليلا على العذرية قد يجرئ الفتاة على الفساد مع الحفاظ عليه..، وهذا الكلام كله مردود عليهم من وجوه.
أولها: إن الجنس عند العلمانيين ليس مجرد استمتاع آني تسمو النفس عن الانغماس فيه حد الفناء، بل هو عندهم أسمى ما يمكن تحقيقه والعيش من أجله في هذه الطبيعة التي توحي كلها إلى الجسد الأنثوي (وهذا يمكن ملاحظته في جميع فنونهم التي تعتبر أبهى إنتاجات العقل البشري عندهم)، لذلك نراهم حريصين على الدفاع عنه، وعن محاربة كل من سولت له نفسه تقييد حريته أو تكييف صوره، حتى وإن كان ذلك صادرا عن الوحي، فليسوا كلهم يؤمنون بالوحي، بل منظومتهم الفكرية قائمة على اللادينية والمادية؛ وإن جادل المفتونون بالعلمانية من بني جلدتنا لجعلها قابلة للتدين..
فالجنس عند العلمانيين غير قابل للتقييد، وعليه يدعون ويعيشون تحررا جنسيا لا يعكر صفوه غير ما يولد من صور الاعتداء كالاغتصاب والبيدوفيليا، وهي نتائج حتمية لهذا التسيب الجنسي البهيمي..، ويوضح هذا التسيب كلام “سيغموند فرويد”، الذي يقول: “إن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي، وكل قيد من دين، أو أخلاق، أو مجتمع، أو تقاليد، هو قيد باطل ومدمر لطاقة الإنسان، وهو كبت غير مشروع..”، وهذه هي ركيزة أدعياء الحرية الجنسية، وبعض الحالمين بثورة جنسانية في المغرب كالباحث الجنساني عبد الصمد الديالمي، والحقوقية خديجة الرياضي وإخوانهما..
إن الموقف العلماني من البكارة هو موقف عدائي، ولذلك نراهم يعيبون على العفيفة تمسكها بعفتها، ويرمونها بالمرض النفسي، بحجة أنها لا تقدر على ربط علاقة جنسية، والبكارة في المجتمعات الغربية لا تعدو مجرد حاجز تشريحي عند فتحة المهبل ليس له وظيفة أو فائدة، بل وجوده مجرد حالة نشاز غير مرغوب فيها.
ثانيا: إن المجتمع الإسلامي لم يكن حريصا على اعتبار البكارة رمزا للعذرية حتى انتشر الفساد في صفوف الشباب الذين تشبعوا بدعاوى التحرر الجنسي..، فصار اعتبار حفاظ الفتاة على بكارتها علامة على طهرها، بحكم أن أول وأهم ما يمكن أن تفقده الفتاة من طهرها وكرامتها هو فقدانها لبكارتها بسبب ممارسة جنسية توقعها في الزنا المحرمة، وفقدانها دافع لاستساغة التوسع في الرذيلة..
ثالثا: أما القول بأن من الفتيات من تكثر الفحش مع الحفاظ على بكارتها، فهذا من باب إشاعة الفاحشة، وإظهار أن الفتاة بإمكانها مواقعة العديد من الممارسات الجنسية المحرمة دون الوصول للممارسة المباشرة، وهذا مردود لأن من آثرت الانغماس في المخالفات والمعاصي وحب الاختلاط وربط العلاقات الغرامية والشبابية فخاتمتها أن تفقد طهرها مع افتضاض بكارتها لأن النفس تضعف أمام شدة الشهوة، وبالنسبة لوجود تلك الحالات من الفتيات فهي قليلة لا اعتبار بها..
فلماذا يا دعاة التحرر الجنسي المقتدين بفرويد ترفضون الدفاع عن العفة المنضبطة شرعا؛ والتي لا تتلخص في غشاء بكارة فقط؛ بل هي منظومة أخلاقية وقيمية لها مجموعة من الأحكام والصور.
ثم إن اعتبار الحفاظ على البكارة علامة على الطهر والعفاف هو في عمومه أمر مستحسن؛ حتى لا نشجع الانفلات الأخلاقي الذي تعيشه الكثير من الفتيات بعد انعدام الوازع الديني عندهن، ومن هذا الباب محاربة الغشاء الاصطناعي الذي سيساهم في الرذيلة، أو عمليات ترقيع البكارة، ومن قبلهما انتشار ثقافة استعمال الواقي الذكري والأنثوي، وحبة الغد التي تستعمل في حالات الجماع الآني الذي لا يكون إلا في العلاقات غير الشرعية..
إن صور نشر ثقافة التحرر الجنسي تنتشر بسرعة التطور العلمي والحضاري الغربي، الذي يعمل كل ما في وسعه لينقل لنا نسقه السلوكي والفكري والاجتماعي لكن من غير أن يمكننا من السيادة في صنع القرار الدولي؛ وأن يتركنا لنصنع البناء الذاتي الكفيل بالتغلب على التبعية التي نعيشها للغرب.
فهل يكفينا أن نكون مثل الغرب في التحرر الجنسي وإفرازاته، لنكون على نفس مستوى آلاته وصناعاته؟
الجواب طبعا: لا؛ فلنا قيمنا وأخلاقنا النابعة من صفاء شريعتنا الربانية، التي ينبغي أن نتحاكم إليها، لتكون الكلمة الفصل في تحديد المفاهيم وسن القوانين لأولي الألباب من العلماء، لا إلى النواب والأدعياء!