دور الإسبان في هدم المغرب واحتلاله

الإسبان والبرتغال هم العدو التقليدي لأقطار المغرب العربي منذ الفتح الإسلامي، وذلك بدافع الدين أولا، وثانيا بحكم الجوار وما كان يحدث من صراع عبر التاريخ.
والمغاربة قيادة وشعبا هم الذين مددوا -بعد تأييد الله ونصره- تاريخ الإسلام بالأندلس مدة ثمانية قرون، وحتى بعدما انساب الزمان في وجهة الأمام، عاش المغرب دوما في قوة ومنعة من سيطرة الإسبان.
لكن الإسبان استشعروا القوة بعد سقوط الأندلس لاحتلال مركز ما في الشاطئ المقابل من تونس إلى المغرب الأقصى، وكان لهم ذلك باحتلال مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين.
إلى أن اختفت فكرة التوسع في المغرب بعد اكتشاف القارة الأمريكية، وبعد تبادل الأسرى بين الجانبين زمن شارل الثالث حين عقدت بينهما المعاهدة التي استغل فيها الإسبان الممثل المغربي ابن عثمان التي ذكرت الوثائق الانجليزية أنه كان مرتشيا من طرف الإسبان (راجع تاريخ العلاقات الإنجليزية ص:172)، الذي وقع الصلح برا وبحرا بينما كان يظن السلطان أنه برا لا بحرا، ولم يظهر التزوير إلا بعدما أراد مهاجمتهم من البحر فأدلوا بنص المعاهدة.
بل إن هذه المعاهدة هي التي نظمت العلاقات السياسية للإسبان في موانئ المغرب، ثم مكنتهم من حقوق لم تكن لهم ولا لغيرهم فيه.
أما في عهد المولى سليمان فإن الإسبان استطاعوا أن ينتزعوا من هذا السلطان الذي عرف بحسن المعاملة واللين ما خططوا له، فقد منحهم ما لم يعرف قبل لا لهم ولا لغيرهم من تسهيلات قضائية في المعاهدة التي أبرمت سنة 1212هـ/1797م، وهي التي اشتملت على 38 مادة، تضمنت النص على حقوق الإسبانيين ورعايتهم بالمغرب، كما تضمنت أول امتياز قضائي أعطي للأجانب، وهو رجوع المغربي في بلاده إلى القضاء الإسباني في حالة نزاع بين الطرفين في أرض المغرب، وهو ما يسمى بقاعدة “المدعي يتبع المدعى عليه في محكمته”.
وكان هذا الاعتراف أول مخالفة لقانون الدولة المغربية التي لا تسمح بالتحاكم لغير الشريعة في بلاد الإسلام، واعتبر هذا الإجراء أول معول هدم لاستقلالية المنظومة القانونية الوطنية، وهو تنازل ستستفيد منه كل الدول الأوربية تباعا بعد المعاهدة الإنجليزية المشؤومة.
ولعل سائلا يسأل لماذا أقدم المولى سليمان على هذا التنازل الخطير وهو من هو علما وتعقلا ودينا وخلقا وسلوكا؟
وإن كنا لا نجد لذلك مبررا غير أن المولى سليمان كان في الوقت الذي ذهب فيه نابليون إلى مصر غازيا لا يزال في نزاع مع إخوته الحسين وهشام اللذان كان للإسبان دور في إثارتهما، زد على هذا ما قام به المرتشي عبد الرحمن بناصر العبدي.
ولما فشل الإسبان في تحقيق مبتغاهم فكر جودي رئيس وزراء إسبانيا في إعلان الحرب على المغرب، فإذا به يصطدم بإرادة ملكه شارل الرابع، الذي حقق ما يربو إليه بتوقيع المعاهدة التي لم يجد المولى سليمان بدا من توقيعها.
كما دفع الإسبان المولى عبد الرحمن إلى توقيع وثيقة تنص على مطالب سبع من بينها إعادة حدود سبتة إلى ما كانت عليه، وذلك بتاريخ 13 رمضان 1260هـ/7-10-1844م أي بعد هزيمة إيسلي بأقل من شهرين مما يستدل على خبث الإسبان وأنهم وقتها أخذوا يبحثون عن وسيلة للقيام بعمل ما ضد المغرب اقتداء بالفرنسيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *