ليست هذه هي المرة الأولى التي يثبت فيها التيار الإسلامي في الدول العربية حسن نواياه ورغبته في حفظ أمن البلاد وأمان ومصلحة العباد، ويقوم بالتنازل عن بعض حقوقه التي نالها من خلال عملية سياسية نزيهة، تحقيقا لرغبة التيار العلماني واليساري الذي غالبا ما يتعنت في شروطه وإملاءاته، حيث يحاول أخذ البلاد والعباد رهينة لتحقيق مطالبه السياسية التي لم يستطع كسبها من خلال صناديق الانتخابات والعملية الديمقراطية.
لقد كانت تونس فاتحة الثورات العربية، وكانت أول من تخلص من حكم الاستبداد والديكتاتورية، وخاضت بعد ذلك انتخابات المجلس التأسيسي، ورغم أن حزب النهضة الإسلامي التونسي كان الأكثر نجاحا في هذه الانتخابات، حيث حصل على حوالي 43% من مقاعد المجلس التأسيسي، ورغم أنه تحالف مع حزبين آخرين لتشكيل الحكومة الحالية، وهو أمر طبيعي حين لا يحصل حزب ما على الأغلبية التي تخوله تشكيل حكومة بمفرده، إلا أن المعارضة ما زالت تضغط على الحكومة لتقديم استقالتها بعد حادثة اغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وذلك من خلال المظاهرات التي أربكت الحكومة وأدخلت البلاد في دوامة أزمة سياسية خانقة.
وفي خطوة إيجابية من الحكومة التونسية الحالية أعلن مسؤول كبير بحزب حركة النهضة الذي يقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس، أن الحكومة وافقت على الاستقالة بعد الحوار الوطني الذي ينطلق الأسبوع القادم، وذلك بعد يومين من خروج الآلاف من أنصار الاتحاد العام التونسي للشغل للضغط على الحكومة.
ونقلت وكالة رويترز عن لطفي زيتون تصريحاته التي أكد فيها موافقة الحكومة على خطة للاستقالة بعد مفاوضات مع المعارضة العلمانية تبدأ مطلع الأسبوع الحالي وتستمر ثلاثة أسابيع، لإتاحة المجال لحكومة انتقالية تقود البلاد إلى انتخابات جديدة.
وقال زيتون بعد لقاء رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي: قبلت الحركة خطة اتحاد الشغل دون تحفظ سعيا لإخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية..
ومن جهته أكد مسؤول آخر قريب من المفاوضات لرويترز أن النهضة وافقت فعلا على الخطة التي اقترحها اتحاد الشغل، مضيفا أن الإعلان الرسمي سيكون في وقت قريب جدا.
ومن المفروض بعد هذا الإعلان توقف الاحتجاجات والمظاهرات في البلاد، وتهيئة الأجواء لإنجاح الحوار، وهو ما يستدعي إصدار بيان من اتحاد الشغل التونسي يعلن فيه إلغاء الحركات الاحتجاجية التي كانت مقررة خلال الأيام المقبلة.
ورغم أن حركة النهضة لم ترفض مبادرة الرباعية أصلا -المكون من اتحاد الشغل وهيئات أهلية أخرى- وإنما طالبت بضمانات جديدة لقبول الخطة الرباعية، وهي إنهاء الجمعية التأسيسية المناط بها وضع الدستور الجديد عملها قبل أن توافق الحكومة على التخلي عن السلطة، إلا أن إصرار معارضة العلمانية على مواقفها ومطالبها، وانضمام الاتحاد العام التونسي للشغل إلى المعارضة؛ أدى إلى تنازل الحكومة عن موقفها حفاظا على أمن البلاد وسلام العباد.
لقد كان سلاح المعارضة العلمانية في تونس وما يزال المظاهرات والاحتجاجات، حيث خرج الآلاف قبل المبادرة الأخيرة للمطالبة باستقالة الحكومة وحل المجلس التأسيسي، وها هم أنصار الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي في تونس ينضمون إلى جبهة المعارضة، من خلال خروج الآلاف منهم للشوارع في عدة مدن تونسية للضغط على الحكومة للاستقالة، وفتح الطريق أمام إجراء انتخابات جديدة، فهل ستتوقف المظاهرات بعد موافقة الحكومة على الاستقالة؟!
وهل ستتوقف المطالب عند حد استقالة الحكومة والتعجيل بإجراء انتخابات جديدة؟!
إن الخطوة الإيجابية التي قامت بها الحكومة الحالية تدل على حسن نية في الوصول لحل للأزمة التونسية، فهل ستبادل المعارضة الحكومة بخطوة إيجابية مماثلة للخروج بتونس إلى بر الأمان؟؟
مركز التأصيل للدراسات والبحوث