سحر البيان

– قال علي رضي الله عنه: (من نصّب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه).
وأنشدوا:
يا أيّها الرّجل المعلّم غيره … هلّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضّنى … كيما يصحّ به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا … أبدا وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيّها … فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويهتدى … بالقول منك وينفع التّعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم
– وعن الفضيل رحمه الله تعالى أنه قال: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم وأعزوا هذا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله إذا لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس، وكانوا لهم تبعا، ولكنهم أذلوا أنفسهم وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا فهانوا وذلوا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني وقد أحسن كل الإحسان كأنما طرزت في خلع حسان:
ولم أقض حق العلم إن كنت كلما … بدا طمع صيّرته لي سلّما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي … لآخذ من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة … إذا فأتّباع الجهل قد كان أسلما
فإن قلت زند العلم كاب فإنّما … كبا حين لم نحرس حماه وأظلما
لو أنّ أهل العلم صانوه صانهم … ولو عظّموه في النفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهونوا ودنّسوا … محياه بالأطماع حتى تجهّما.
” منتقى من المستطرف في كل فن مستظرف ”

وتلك الأمثال
بَيْضَةُ العُقْرِ

” قيل: إنها بيضة الديك… يضرب للشيء يكون مرة واحدة، لأن الديك يبيض في عمره مرة واحدة فيما يقال، قال بشار بن برد:
قد زُرْتِنِي زورةً في الدهر واحدةً … ثَنِّي ولا تَجْعَلِيهَا بيضةَ الديكِ
قال أبو عبيدة: يقال للبخيل يعطي مرة ثم لا يعود: (كانت بيضَةَ الديكِ) فإن كان يعطى شيئاً ثم قطعه قيل للمرة الأخيرة: كانت بيضةَ العُقْرِ، وقال بعضهم: بيضة العقر كقولهم: “بَيْض الأنُوق، والأبْلَق العَقُوق” يضرب مثلا لما لا يكون”. (مجمع الأمثال).

سلسلة أشهر القصائد
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه أجمعين.
أخي القارئ إليك نبذة عن أشهر القصائد عبر عصور الأدب العربي، تستنهض همتك إلى الاعتناء بالأدب، قراءة وحفظا ودراسة، وتدريب اللسان على النسج على منوال الفصحاء، واكتساب الملكة القادرة على الخوض في كل مناحي القول، جدا وهزلا، هجاء ومدحا، فخرا واستعطافا… والمعرفة التامة بأساليب العرب، الذين نزل القرآن بلغتهم، وأرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيهم وبلسانهم، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
المعلقات العشر
اشتهر في الأدب العربي ما سُمي بالمعلقات المروية لامرئ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، والحارث بن حلزة، وهذه سبع. وأكملوا العشر بمعلقة النابغة الذبياني، والأعشى، وعبيد بن الأبرص.
وسميت المعلقات؛ لأن العرب اختارتها بين أشعارها فكتبوها بالذهب على الحرير، ثم علقوها على أركان الكعبة.
معلقة امرئ القيس
هي أشهر قصيدة قالها عربي، يضرب بها المثل في الشهرة، حتى قيل: “أشهر من قفا نبك”.
مختارات من المعلقة
مطلع هذه القصيدة كسائر القصائد الجاهلية، وقوف على الديار، وذرف العبرات على حبيب لم يبق من ذكراه إلا رسم دارس، يحيي الجراح، ويعيد آلام الفراق. قال:
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكرَى حبيبٍ ومنزِلِ … بِسِقطِ اللِّوى، بينَ الدَّخُولِ، فحَوْمَلِ
فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يَعفُ رَسْمُها … لَما نَسجَتْها مِن جَنُوبٍ وشَمألِ
رخاءً تَسُحُّ الرّيحُ في جَنَباتِها … كَساها الصَّبا سَحْقَ المُلاءِ المُذَيّلِ
تَرَى بَعَرَ الآرامِ في عَرصَاتِها … وَقيعانِها، كأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كأنّي غَداةَ البَينِ، يَومَ تَحَمَّلُوا … لدَى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
وُقُوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ … يَقولونَ: لا تَهلِكْ أَسىً، وتجَمَّلِ
فَدَعْ عَنكَ شَيئاً قَد مَضَى لسَبيلِهِ … ولكِنْ على ما غالكَ اليَوْمَ أقبِلِ
وقَفْتُ بها حتّى إذا ما تَرَدَّدَتْ … عمايَةُ مَحزونٍ بشوقٍ مُوَكَّلٍ
وإنّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ … فهل عَنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ
قال مصطفى صادق الرافعي: “أما القصيدة فقد وقف فيها واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الديار والآثار، ثم استشعر العزاء وتجلد، ثم التاع وتنهد، ثم كأنه عفا وتجدد، وذكر يوم الغدير، ووصف عقر ناقته للعذارى، وتبذله لهن تبذل الجآذر، وارتماءهن بلحمها وشحمها، ثم ألم بأطراف العفاف من ابنة عمه، وتعهر في ذلك حتى كأن الكلام لا يمر بقلبه به يخلقه لسانه خلقًا، إلا في أبيات قليلة، ووصف الجمال وصفًا ظاهرًا يبلغ شهوة النظر، ثم وصف طول الليل وخرج من الفخر إلى صفة الخيل، واستتبع ذلك بالصيد والقنص والطعام، ثم رفع عينيه إلى البرق والسحاب، وخفضها إلى الجبل فزمله من المطر في ثياب، ثم أغمضها وسكت كما يسكت على خير جواب.
المختار في ذلك كله قوله:
أفاطم مهلًا بعض هذا التذلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
أغرك مني أن حبك قاتلي … وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي … بسهميك في أعشار قلب مقتل
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي … بناظرة من وحش وجرة مطفل
وليل كموج البحر أرخى سدوله … علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطي بصلبه … وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي … بصبح وما الإصباح منك بأمثل
وقد أغتدي والطير في وكناتها … بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معًا … كجلمود صخر حطه السيل من عل
له أيطلا ظبي وساقا نعامة … وإرخاء سرحان وتقريب تتفل ”
(تاريخ آداب العرب)

فوائد
“ما دام الولد في الرّحم، فهو جنين؛ فإذا ولد، فهو وليد، وما دام لم يستتمّ سبعة أيام، فهو صديغ: لأنه لم يشتدّ صدغه إلى تمام السبعة؛ ثم مادام يرضع، فهو رضيع؛ فإذا قطع عنه اللبن، فهو فطيم، ثم إذا غلظ وذهبت عنه ترارة الرّضاعة، فهو جحوش.
قال الهذلىّ:
قتلنا مخلدا وابنى خراق … وآخر جحوشا فوق الفطيم
ثم إذا دبّ ونما، فهو دارج.
فإذا بلغ طوله خمسة أشبار، فهو خماسىّ.
فإذا سقطت رواضعه، فهو مثغور.
فإذا نبتت أسنانه بعد السّقوط، فهو مثّغر ومتّغر معا.
فإذا تجاوز عشر سنين أو جاوزها، فهو مترعرع وناشئ.
فإذا كاد أن يبلغ الحلم أو بلغه، فهو يافع ومراهق.
فإذا احتلم واجتمعت قوّته، فهو حزوّر؛ واسمه في جميع هذه الأحوال التى تقدّم ذكرها غلام.
فإذا احضرّ شاربه وأخذ عذاره يسيل، قيل فيه قد بقل وجهه.
فإذا صار ذا فتاء؛ فهو فتى وشارخ.
فإذا اجتمعت لحيته وبلغ غاية شبابه، فهو مجتمع.
ثم مادام بين الثلاثين والأربعين، فهو شابّ، ثم هو كهل إلى أن يستوفى الستين…
ويقال أيضا: شاب الرجل، ثم شمط، ثم شاخ، ثم كبر، ثم توجّه، ثم دلف، ثم دبّ، ثم مجّ، ثم هدج، ثم ثلّب، ثم الموت”. (نهاية الأرب).

فسحة الواحة
– تزوّج بعض العميان بسوداء؛ فقالت له: لو نظرت إلى حسنى وجمالي وبياضي لازددت فيّ حبّا. فقال لها: لو كنت كما تقولين ما تركك لي البصراء.
– سأل أبو عون رجلا فمنعه، فألحّ عليه فأعطاه؛ فقال: اللهم آجرنا وإياهم، نسألهم إلحافا ويعطوننا كرها، فلا يبارك الله لنا فيها ولا يؤجرهم عليها.
– وقف أعرابىّ سائل على باب وسأل؛ فأجابه رجل وقال: ليس هاهنا أحد. فقال: إنك أحد لو جعل الله فيك بركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *