غاض الحياء ولم يجد متأسفا

مرة أخرى يتحفنا الشاعر المغربي مولاي عبد الرحمن الزواكي بقصيدة دالية يناقش فيها ذهاب الحياء وتكالب الناس على السفاسف والخنا، محاولا تبكيت ذوي الثقافة والصحافة على الجرأة التي جاوزت حد ما يستطاع الصبر عليه، كما أنكر إصرار بعض الصحفيين على تنفير الناس من ذوي الديانة، ووصمهم بالإرهاب خلافا لنهجهم واستعداء للحكام عليهم، كما انتقد سخافة المواضيع التي تتناولتها الصحافة المغربية، مصرحا في الأخير أن ليس له سوى القوافي عسى أن يظهر بها السبيل الأرشد.
غاض الحياء ولم يجد متأسفا
الليل داجٍ أين فيه الفرقـدُ *** من طوله قد قيل هذا سرمدُ
صَرعَ الكَرى عينَ الخِليِّ وقلبَه *** وكـرى المَضيم عن الجفون مشرَّدُ
وإذا أردت نصيحةً في دولة *** فيها الجهـالة تُصطفى وتُؤيَّد
فاعقِد عزيمةَ مستعدٍّ للأذى *** أو فامْشِ في القُطعان ذلك أبرد
فزماننا لمّا تقــادَم عـهده *** صار الوِعاءَ لمن هواه تقلّدوا
صارت عجائبُ قومنا شُغلا لنا *** في كل يـوم مـُغرِب يَتــولد
نفِد التعجب وانقضى أصحابُه *** فمِن العجائب عندنا أن يوجَدوا
إلا بقايا للبــقايا حـوصِرت *** ويوَد أكثر من نرى لــو تُطـرَد
غاضَ الحياءُ ولم يجد متأسفا *** وعلى الحيا يبكي الجميع ويُسجَد
صدِيت قلوبٌ لو درَت حر الصدى *** عَجَّت إلى البـاري وفارقــها الدَّدُ
وترى رُواءً في الجُسوم لنعمة *** ولقلــــما تلـْــقى نــَهِيــا يَحمَد
أُُسْدُ الهجومِ على السفاسف والخَنا *** وإذا المــعالي نبَّــهتــهُم أقْــردُوا
لا فضلَ فيهم ألزمونا شـكرَه *** إلا زيـــادةُ بُغضـِنا مــن قلَّدوا
حقا وصدقا أن يُضاعَــف أجرُه *** خمــسين مَـن فيهـم يظل يُنكَّد
أَََذَوي الثقافة والصحافة فاسمحوا *** لي أن أبوح بقــولــةٍ تتــردَّدُ
إن الجَراءة في الجرائد جاوزت *** حدا عليــه الصبر لا،لا يُحمد
ما بالُها كانت علامةَ نـهضـــــةٍ *** في أصلها وعلى الحقـيـقة تـَشهد؟
أوْ هكذا زعمـوا لــها فتــحولت *** مثـــل الأَتـُونِ بفــتنة تتـــــــوقَّد
برقابةٍ كانت تُقيـــم معوََّجــــــا *** فلـِـمن مـــراقبةُ الرقـــابـةِ تُسندُ؟
سلكوا الأصول مع الفروع عَماية *** كلٌّ على حد الجِــدال سيــورَد
سلُّوا نصالاً للنضال حسبتُها *** في نحر أعداء الحقيقة تُغمَد
فإذا بها من طيشها يُؤذَى بها *** كل الهُداة قريبُهم والأَبعَد
كل الذي لم يتفق وهواهمُ *** سيُرَدُّ بل يَلقى الأذى بل يوءدُ
حريةٌ هوجاءُ تخبِط في الورى *** يا ويل من قال اضبِطوا وتقيَّدوا
بحثوا بمكر عن أشد منفِّرٍ *** للناس كيْما في الديانة يزهدوا
وَصَمُوا بإرهابٍ مخالفَ نهجِهم *** واستَعْدَوا الحكام كي يتفردوا
وأوُلئكم يدْرون مَن في ملكهِم *** فدَعُوا الوشايةَ والسِّعايةَ واخمَدوا
برئت عصابةُ سنةٍ سلفيةٌ *** من إفككُم في غير هذا فاجهدوا
كم في الكتاب وآيِه وحديث مَن *** بالوحي ينطق من مواعظَ تُسرَدُ
عن حرمةٍ لدم وعرضٍ والذي *** عَصَب الحياة به لكي لا يَعتدُوا
فدمُ الذي عن ديننا متجنِّب *** حِرْمٌ فكيف بمسلم يتشهَّد؟
هذي أصولٌ حَقة وديانة *** لا سَوم فيها بل بها نتعبد
كل وإن غرَّت مظاهر ظاهرٌ *** الصدقُ يبقى والمكائد تنفَد
ما هان من أعلاه أشرف مَقصدٍ *** بالنصر أو بالموت عِزًّا يوعَد
لو أنما السبع الشِّداد وجُندُها *** والأرض والعُمَّار بعدُ تجنَّدوا
لمَنالِ مَن مِن ربِّه في عِصمة *** لَنَجا ولوْ هو قاعدٌ أو مُقعد
إن لم تخافوا بطش ذي العرش الذي *** مثُلاتُه في خلقهِ تَتَجدَّد
فارْعَوا ذِماما من بلادِكمُ التي *** هي أمكم بل في الوشائج أبعد
فقد استبيحت بانفتاح مُخجِل *** فَسَلُوا ذَوي الأخبار ماذا أوْردوا؟
قلْ أيَّ شيء فالكلام محلَّلٌ *** دِنْ أيَّ شيءٍ فالسماحة توجد
عَبِّر وأبْدِع فالفنون جميلة *** ما دخْل دين؟ ماكفاه المَعبَدُ؟
لكنْ, وكلاَّ ثم حاشا بعدها *** إظهارُ دِينِ الحقِّ بابٌ موصَدُ
ويُعَظَّم “الأدباء” في صفحاتكُم ويؤبَّن “الشعراء” ممن ألحدوا
محفوظُهم درويشهُم أدُنيسُهم *** نفَثُوا الزُّعافَ مِن السُّمومِ وسوَّدوا
عَروِيُّهُم ونزارهم ونوالُهم *** فاقرأ لهم إن قلت ذا “يتزيد”
ستَؤوب منهم مُغضَبا متأفِّفاً *** تدعو اللطيفَ وللسلامةِ تَحمدُ
جعلوا لِقاءَ قريحةٍ ومواهبٍ *** أعطاهُمُوها أَنْ عليه تمَرَّدُوا
لم تبْكِهِم أرضٌ ولا ما فوقَََها *** لم يبكهم إلا المنافق و(العَدُو)
ويكرَّم الفنَّان بعد جُهوده *** (برسالة) الفَن انتصارٌ أمجدُ
والمطربون بهم يُشادُ ويُعتَنى *** شُكرا لهم من أجلِنا قد غرَّدوا
والرَّقْصَ لا تهْمِلْه فهو معبِّرٌ *** والرسْمَ لا تُغفِلْه فهو مؤَّكدُ
أما التي يدْعونَها شعبيةً *** فهي الهُويَّة إن تَمُتْ لا نُخلَدُ
فيها البحوث وعُزِّزت بشواهدٍ *** ولها المجامِع والمبالغ ترصد
وتلاقُحٌ بين الثقافات الذي *** دَرْكُ السلامِ به الطريق الأوحد
لا بُغضَ بل حبٌّ كذا وتعايُشٌ *** أمَّا الذي شرَع الرحيمُ فمُبعَد
العصر يَفرِض والمقاصد تقتضي *** والعقل يحكم والمصالح (تُعبَد)
والغَربُ فاقَ فواجبٌ أن يُحتذَى *** في كل شيء كي يُنير لنا الغَدُ
فتَفتَّحوا وتسمَّحوا وتقبَّلوا *** وإذا غَذَوكُم فابْلعوا كي تسعدوا
فهمُ الحضارة والعُصارة,*** والخسارة حظُّ مَن عادَوْهمُ وتشدَّدوا
فِتن تُرقق بعضها فمُوفَّقٌ *** من يَنجُ منها سالما بل مُفرَدُ
يأيها العلماءُ قوموا بيِّنوا *** فسِواكُمُ إِنْ تَبرُدوا يتجمَّد
إن كان صَمْتٌ مِنْ سِواكمْ سيئًا *** فالصَّمتُ منكمْ منكر يتجسد
أمْ قلتمُ مِن طول ما كثر الأذى *** فينا استوى ذو قومة والقُعدَدُ؟
أمْ قلتمُ ترْكُ الأنامُ لعقلِهم *** مَن عقلُهم لمْ يهدِهم لن يهتدوا؟
السُّؤْل مِنِّي والجواب لديكمُ *** عِلمِي إلى ما تعلمونَ مقيَّد
مالي سِوى هَذِي القوافي قُدرةٌ *** فعسى بها ظهَر السبيل الأرشَد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *