قال ابن القيم رحمه الله: «عوّض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بهذا الدعاء (يقصد الاستخارة) عمَّا كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام، الذي نظيره هذه القرعة، التي كان يفعلها إخوان المشركين، يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب، ولهذا سمي ذلك استقساما، وهو استفعال من القَسْم، والسين فيه للطلب، وعَوَّضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار وعبودية وتوكل وسؤال لمن بيده الخير كله، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه، من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه، فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان.
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 96].
فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه، وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق» [زاد المعاد-2/443].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيما سمعه منه ابن القيم رحمهما الله: «إذا لم تجد حلاوة في قلبك وانشراحا فاتّهمه، فإن الرب تعالى شكور، يعني أن لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه، وقوة وانشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول، والقصد أن السرور بالله قربة، وقرة العين به تبعث على الازدياد من طاعته، وتحث على الجد في السير إليه» [مدارج السالكين-2/68].
وقال ولي الله الدهلوي رحمه الله: «كان أهل الجاهلية إذا عنت لهم حاجة من سفر أو نكاح أو بيع، استقسموا بالأزلام، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه غير معتمد على أصل، وإنما هو محض اتفاق، ولأنه افتراء على الله بقولهم: أمرني ربي ونهاني ربي؛ فعوضهم عن ذلك بالاستخارة، فإن الإنسان إذا استحضر العلم من ربه، وطلب منه كشف مرضاة الله في ذلك الأمر، ولهج قلبه بالوقوف على بابه، لم يتراخ من ذلك فيضان سر إلهي، وأيضا فمن أعظم فوائدها أن يفنى الإنسان عن مراد نفسه، وتنقاد بهيمته لملكيته، ويسلم وجهه لله، فإذا فعل ذلك صار بمنزلة الملائكة في انتظاره لإلهام الله، فإذا ألهموا سعوا في الأمر بداعية إلهية، لا داعية نفسية» [حجة الله البالغة-2/453، 454].
وذكر ابن أبي جمرة رحمه الله عن بعض أهل العلم أن من استخار في شيء فقُضِي له فيه قضاء ولم يرضَ، فإنه عندهم من الكبائر التي يجب منها التوبة والإقلاع، لأنه من سوء الأدب؛ وقالوا: ليس يخفى؛ لأنه لما رجع هذا العبد المسكين إلى هذا المولى الجليل، ورغب منه أن ينظر له بنظره، فكيف لا يرضى؟ فهذه صفة تشبه النفاق، بل هو النفاق نفسه، لأنه أظهر الفقر والافتقار والتسليم، ثم أبطن ذلك، فأين هذا الحال من قوله: وأستخيرك بعلمك؟» [بهجة النفوس-2/90].