مباشرة بعد وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في بعض البلاد العربية والإسلامية عن طريق الآلية الديمقراطية؛ وتخلص الشعوب المسلمة (مؤقتا) من تسلط التحالف الديكتاتوري/العلماني؛ انطلقت من جديد ألسنة العلمانيين الحداد مهاجمةً التيار الإسلامي الذي يرى الإصلاح من باب المدافعة السياسية؛ بعد أن ظلت لأكثر من عقد تركز اهتمامها وتشن هجماتها الواحدة تلو الأخرى ضد التيار السلفي.
فصار المتابع -بعد الحراك الكبير الذي عرفه العالم العربي والإسلامي- لا تخطئ عينه الهجوم الشرس على من يرى الإصلاح عن طريق التدافع السياسي، وهذا أمر عادي ومتوقع، إلا أن الغريب في الأمر؛ والذي يجب التنبه له؛ هو تطابق الخطاب العلماني المعادي للإسلاميين مع الخطاب الصهيوني تطابقا تاما؛ بلغ درجة تؤكد ولا تدع مجالا للشك أن الخطاب مصدره واحد؛ ويخرج من مشكاة واحدة.
فالعلمانيون في العالم العربي والإسلامي من الرباط إلى جاكرتا اعتبروا وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم خطرا داهما يهدد المكتسبات ومن شأنه أن يعجل بعودة الأنظمة الاستبدادية تحت العباءة الدينية، وأن هذه الحكومات الراديكالية ستفشل حتما لكونها لا تقبل الآخر؛ وتعمل على فرض رؤيتها على المجتمع، وترمي كل من يخالفها بـالعمالة والكفر.
هذه نبذة موجزة من كلام المنتمين لهذا التيار؛ امتلأت بها صفحات الجرائد والمجلات، وذاعت وشاعت في القنوات والإذاعات، وسأفسح المجال الآن لشخص غير عادي، لكونه كان يترأس جهازا يعد من بين أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، إنه “شبطاي شافيت” الرئيس السابق للموساد؛ والذي يعمل حاليا رئيسا لمجلس مكافحة الإرهاب في “المركز الإسرائيلي متعدد المجالات”، قال خلال ندوة للمركز، والتي نُشرت على موقع المركز الإلكتروني: “إن حركات الإسلام الراديكالي التي يظهر أن لها تأييدا كبيرا في الشارع بدأت بالفعل بفقدان هذه الثقة والدعم خلال الأشهر الأخيرة نتيجة سياسات عدم قبول الآخر ومحاولات فرض رؤيتهم على المجتمعات العربية”.
وقال: “إن الإسلام الراديكالي الذي يسعى للسيطرة على مقاليد الحكم في العالم العربي فشل، وسيفشل كونه لا يقبل الآخر في المجتمع ونظام الحكم، ويحاول فرض رؤيته على المجتمعات العربية”.
وأضاف “شافيت”: “أن المجتمعات العربية تسعى لتبني ثقافات تقبل الآخر وقيم التسامح خصوصًا وأنها عايشت الاضطهاد من قبل الأحزاب الحاكمة، ولا تريد العودة لهذه الأنظمة”، مشددًا على أنه إذا لم تقم هذه المجتمعات باتخاذ إجراءاتها وخطواتها للمواجهة، فإنها ستعيش عشرات السنوات مجددًا تحت حكم أنظمة استبدادية تتسم بالصفة الدينية”.
علاوة على ذلك، لفت رئيس الموساد الأسبق النظر أن “أكبر الأخطاء التي وقع فيها الإسلاميون الراديكاليون هي أنهم يصورون على أن كل من يخالفونهم فهم “كفار”، وكل من يحاول السعي لإيجاد ثقافات متعددة مناوئة لهم يتهم باتهامات الخيانة والعمالة والكفر”.
فالمطلع على كلام “شبطاي شافيت” لا يكاد يفرق بينه وبين كلام غيره من اللائكيين والعلمانيين المتطرفين الذين يعيشون بين أظهرنا ويتكلمون لغتنا.
وفي هذا اليوم بالذات؛ في 24 من مارس ينظم مركز “موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا” يوما دراسيا بمبنى “غولمان بيلدينج” بتل أبيب لتدارس الحركة الأمازيغية في المغرب وأنشطتها.
ومعلوم أن هذه الحركة -التي لا تمثل حتما الأمازيغ الذين ظلوا إلى اليوم قلعة حصينة لحماية الدين واللغة والهوية- يتزعمها علمانيون يترددون بين الفينة والأخرى على الكيان الإرهابي، فتحشى عقولهم بالأفكار المتطرفة وتملأ بطونهم بالمال الحرام، فيعودون إلى المغرب وقد صاروا آلة حرب في يد العدو، يسيرها عن بعد، ويحركها كيف يشاء، وينطقها متى شاء.