حوار بيني وبين أمي للشاعر: عبد الرحمن العشماوي

إعداد خالد شيري

ا بال أمتنا مقطوعة السببِ وعرّضت وجهها القمحيّ للّهبِ
ما بال أمتنا فلّتْ ضفائرها … أمي تسائلني تبكي من الغضب
… وأصبحت لعبة من أهون اللّعَبِ ما بال أمتنا ألقت عباءتها
ما بال أمتنا تجري بلا هدف وترتمي في يدي باغ ومغتصبِ
ما بال أمتنا صارت معلّقةً … على مشانق أهل الغدر والكذبِ
ما بالُها مزّقت أسباب وحدتها… ولم تُراع حقوق الدين والنّسَبِ
أمي تسائلني والحزن يُلجمني … بني مالك لم تنطق ولم تُجبِ
ألست أنت الذي تشدوا بأمتنا … وتدّعي أنها مشدودة الطُّنبِ
وتدعي أنها تسمو بهمتها … وتدعي أنها مرفوعة الرتبِ
بني قل لي لماذا الصمت في زمن … أضحى يعيش على التهريج والصّخبِ
أماه لا تسألي إني لجأت إلى … صمتي لكثرة ما عانيت من تعبي
إني حملت هموماً لا يصورها … شعر وتعجز عنها أبلغ الخطب ِ
ماذا أقول وفي الأحداث تذكرة … لمن يعي وبيان غير مقتضبِ
تحدّث الجرحُ يا أماه فاستمعي … إليه واعتصمي بالله واحتسبي

لكل مقام مقال
قيل لبشار بن برد، كم بين قولك:
أمن طللٍ بالجزع لن يتكلّما … وأقفر إلا أن ترى مذمما
في نظائر هذه القصيدة من شعرك، ومن قولك:
لبابة ربّة البيت … تبيع الخلّ بالزيت
لها سبع دجاجاتٍ … وديكٌ حسن الصوت
فقال: إنما القدرة على الشعر أن يوضع الجد والهزل في موضعه، ولبابة هذه جارة لي تنفعني بما تبعث لي من بيض دجاجها، وهذا الشعر أحسن موضعاً عندها من: قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل.
مثل طالب الدنيا
الدُّنيا كالماء الملح الذي كلما ازداد منه صاحبه شرباً ازداد عطشاً.
قال عديُّ بن زيد العبادي:
مُطالبُ دُنياهُ بإتعاب نَفسه … كواردِ ماءٍ من أجاجٍ مُكدَّرِ
فما ازداد شرباً منهُ إلا أثابَهُ … به عطشاً يرويه في كلِّ مَصدرِ
أو كالعظم يُصيبه الكلب يجد فيه رائحة اللحم فيطلبها فتدمي فاه، فلا يزداد لها طلباً الا ازداد لفيه ادماء.
قال الحُويدرة الذُّبياني، وكان من حكماء العرب:
إذا النابحُ العاوي أصاب معرَّقاً … من اللحم أنحى يطلُبُ اللَّحمَ بالجدِّ
فَيُدمي به فاه وَيَطْلُبُ جاهداً … فيزدادُ إدماءً لفيه ولا يُجدي
فلا تُجهِدنَّ في ما زواله … وشيكٌ على قُربٍ من الدَّار أو بُعدِ
أو كاللَّعقة من العسل وفي أسفلها سُمٌ ذعاف، فلذائقها حلاوة عاجلة وفي أسفلها سم ناقع.
قال أبو قابوس العبادي: واحذر حلاوتها فإنَّ وراءها سُمَّا ذُعافَا
أو كدودة الإبريسم التي كلما ازدادت على نفسها لفاً ازدادت من الخروج بُعداً.
قال عديُّ بن زيد العبادي:
وَلا تكُ في الإلحاح في إثر فائت … تُحاول مِنه فائتاً ليس يُطلبُ
كَصانعَةِ القزِّ التي كلما ارتدت … بصنعتها كانت إلى اللُّبْثِ أقرَبُ
(من: مضاهاة أمثال كليلة ودمنة بما أشبهها من اشعار العرب لأبي عبد الله محمد بن حسين اليمني).

أحسن ما قيل في الجار
قال ابن قتيبة: حدثني الخشعمي الشاعر قال أحسن ما قيل في حسن الجوار قول الشاعر:
ناري ونار الجار واحدة … وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره … أن لا يكون لبابه ستر
وقال محمد بن حميد اليشكري أخبرنا ابن معاذ قال: تذاكر أهل البصر من ذوي الأحساب أحسن ما قاله المُوَلَّدُونَ في حسن الجوار من غير تعسف ولا تكلف ولا تعجرف، فأجمعوا على بيتين لأبي الهندي، وهما:
نزلت على آل المهلب شاتياً … غريباً عن الأوطان في بلد محل
فما زال بي إكرامهم وافتقادهم … وبرهم حتى حسبتهم أهلي
قال أبو علي: وأنا أقول إن أحسن ما قيل في الجوار قول الآخر:
إني حمدت بني شيبان إذ خمدت … نيران قومي فشبت فيهم النار
ومن تكرمهم في المحل أنهم … لا يعلم الجار فيهم أنه الجار
حتى يكون عزيزاً من نفوسهم … أو أن يبين جميعاً وهو مختار
كأنه صدع في رأس شاهقة … من دونه لعتاق الطير أوكار
(حلية المحاضرة: أبو علي محمد بن الحسن الحاتمي)

من خطب عمر بن عبد العزيز
جليس أبي يوسف

قال رحمه الله تعالى: “إن لكل سفر زادًا لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه، فرغبوا ورهبوا، ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسوا قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يصبح بعد إمسائه، ولا يمسي بعد إصباحه، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا، فكم رأينا ورأيتم من كان بالدنيا مغترًا، فأصبح في حبائل خطوبها ومناياها أسيرًا، وإنما تقرُّ عين من وثق بالنجاة من عذاب الله، وإنما يفرح من أمن من أهوال يوم القيامة، فأما من لا يبرأ من كلْم إلا أصابه جارح من ناحية أخرى، فكيف يفرح؟
أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي، فتَخْسَرَ صفقَتِي، وتَظْهَرَ عورتي، وتَبْدُوَ مسكنتي، في يوم يبدو فيه الغني والفقير، والموازين منصوبة، والجوارح ناطقة، فلقد عُنِيتُم بأمر لو عُنِيَتْ به النجوم لانكدرت، ولو عنيت به الجبال لذابت، أو الأرض لانفطرت، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة، وأنكم صائرون إلى إحداهما؟”. (جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة: أحمد زكي صفوت).
عن طاهر الزهري قال: كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ قال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف وقال: أصبت في صمتك وأخطأت في استدعائي لنطقك، ثم قال: عجبت لإزراء العَيِيِّ بنفسه. وصمتِ الذي كان بالصمت أعلما
وفي الصمت ستر للعيي وإنما … صحيفة لُبِّ المرء أن يتكلما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *