درج على ألسنة كثير من الناس عند تحديد موعد بينهم أن يسأل بعضهم البعض سؤالا عجيبا غريبا:
هل هذا الموعد مغربي أم “كاوري” أي إفرنجي؟
ذلك لأنه الموعد المغربي أو العربي عموما قد استقر في نفوسهم أنه يتصف بالتأخير واللامبالاة والاستهتار، بل والإخلاف بالوعد على نقيض الموعد الإفرنجي الفرنسي أو الانكليزي مثلا.. الذي يعني دوماً وللأسف دقَّة الموعد وضبطه.. حتى صار مجالاً للمدح والإطراء..
إنه لمؤسف جداً أن يتسم من هو خارج إطار الإسلام ببعض صفات الخلق الاجتماعي الكريم، كالوفاء بالوعد والالتزام بالاتفاق..، ويفقدها مجتمع يجتمع أهله خمس مرات في اليوم في مكان واحد (المسجد) في وقت واحد ليوأدوا شعيرة واحدة.
ففيما يخص المواعيد واللقاءات وتحديد الزمن فأغلب الغربيين يحترمها من منطلق نفعي دنيوي، وليس على أساس ديني أو أخلاقي، وذلك لكون العلاقات بينهم أسست على قاعدة علمانية لا تتوخى ثواب الآخرة وإنما ينظر فيها لما يترتب عن الضبط والنظام من ثمرات دنيوية مادية، ومقارنة لحالهم مع حالنا نجد العكس تماماً، فغالبيتنا رغم ما تنص عليه شريعتنا من احترام للعهود والمواعيد ومراعاة للأوقات والأعمار، وما يترتب على ذلك من أجر في الدنيا والآخرة، لا تجد للوقت عندها قيمة تذكر.. فسواء تأخر الشخص ساعة أو ساعات أحياناً، أو يهمل الموعد وينساه أو يتناساه، وما أكثر ذلك.. فحضوره للموعد والتزامه بالوقت أو تأخره أو غيابه عنه وتخلفه سيان لديه.. بل ربما قذف في وجهك رادا على احتجاجك بعبارات مثل: ماذا حصل؟ هل خربت الدنيا واندثر العالم بهذه المخالفة وهذا التأخير..
نسي الكثيرون أن الوقت ليس ملكهم خاصة.. وأن المواعيد ملك للمتعلِّقين بهذا الوعد.. وقد يترتب عليها مفسدة بل مفاسد وأضرار تضر بالمصالح العامة أو الشخصية.. قد تلغى أو تؤجل اجتماعات.. وقد يترتب عليها خسارة مادية وخلل اجتماعي.. ويكفي أن يتصف هذا الشخص أو ذاك بأنه كذاب وأنه يخلف الوعود.. وهذه صفة من صفات المنافقين، يقول عليه الصلاة والسلام: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”، لذا كان عليه الصلاة والسلام أوفى من وفّى بالوعد والعهد، وكان يلتزم ذلك التزاماً كاملاً وتاماً.
وللإنصاف نقول من جهة أخرى: ما زال ولله الحمد الكثير من المسلمين يحترمون هذه الأوقات ويلتزمون المواعيد والارتباطات ويحثون الناس على احترام المواعيد والمواثيق، وتجدهم أسوة حسنة ومرآة ناصعة أمام الجميع.
ويبقى إخلالا بتعاليم ديننا أن نستمر في هذه الفوضى وأن نعيش بعيداً عن معتقداتنا ومنهجيتنا وسلوكنا القويم وتربيتنا الشرعية الصحيحة السليمة، إنها لمفارقة أن نرى غير المسلمين يتسمون بالنظام وضبط المواعيد، بينما نعيش نحن في الفوضى واللامبالاة.
كما أنه من العار أن لا نعمل جادين على ترك الكذب والمراوغة في حياتنا وسلوكنا اليومي، وأن ندع الآفات الاجتماعية برمتها تتراكم متثاقلة فوق أجسادنا، وتعلق بكامل وزنها وثقلها على سلوكياتنا حتى توصلنا إلى مرحلة اليأس من التغيير، والإذعان للأمر الواقع.
إنه لجديرٌ بنا ونحن أمة القرآن وأمة الإسلام أن نسترد عزيمتنا ونقوِّم سلوكنا ونربي أنفسنا ونغير منهجنا لما يرضي الله عز وجل وفق منهج الحق، والصلاح والاستقامة وأن ننشئ الجيل القادم على الفضيلة والصدق والوفاء بالعهود وأن يتمثل ذلك فينا لنكون قدوة حسنة وأسوة طيبة.
قال تعالى: “إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”