همة وحماس ونشاط وحيوية وتفان وتضحية، وقل ما شئت، تلك هي صفات أهل الباطل وهم ينشرون باطلهم…لا يكلون ولا يملون ولا يتوانون، طوال العقود التي مرت وهم متمسكون بباطلهم، يدعون إليه باستماتة وإصرار وصبر، رغم أن ما يدعون إليه يكون صادما لأعراف وتقاليد ومعتقدات الشعوب المسلمة، لا يهمهم انتقاد ولا انتقاص ولا تعيير ولا تبكيت، رسموا الهدف وانطلقوا إليه بثبات يوظفون كل الوسائل الممكنة، تجدهم في المنتديات واللقاءات والمحاضرات والملتقيات، والبرامج التلفزية والإذاعية، يعطون التصريحات تترى، ويكتبون المقالات شتى، وينظمون الندوات التواصلية والفكرية، يؤسسون الجمعيات وينخرطون في المنظمات ويقيمون المهرجانات وينظمون الوقفات، ويستغلون الأحداث ليطالبوا بمطالب مصادمة للدين والعقل والعرف.
تجد الواحد منهم يعيش لقضاياه الخاسرة المنحلة رغم الاعتقال والسجن والتضييق، فما استكانت شدته ولا لانت شوكته ولا انخفضت نبرته ولا خارت عزيمته، ولا تعدلت مواقفه ولا تغيرت مبادئه.
يطالبون بالإفطار في رمضان وحرية المعتقد وتغيير الدين.. يدعون إلى تجريم التعدد في مقابلة إباحة الزنا واللواط، ينتقدون الحجاب والتعفف والالتزام ويشيدون بالعري والتحرر والابتذال، كل ذلك في صفاقة وجه منقطعة النظير، وجرأة ليس لها مثيل.
يضحون بأوقاتهم ويبذلون جهودهم وينفقون الأموال بلا روية والتي لا شك أنها ستكون عليهم حسرة ثم يغلبون.
هؤلاء هم أهل الباطل وهم ينشرون الفساد في الأرض، ودائما وأبدا هذا هو حالهم، والتاريخ يعيد نفسه، فهم في محاربة أنبياء الله والصالحين المصلحين من عباده يفعلون المستحيل، فتارة يقتلون الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس، وتارة يخرجونهم، وتارة يرجمونهم، وتارة يهددونهم وتارة يحرقونهم أو يصلبونهم، كل ذلك من أجل نصرة الضلال وحرصا على إطفاء نور الله، ولكن الله متم نوره، واليوم لو استطاعوا أن يفعلوا لفعلوا بل قد فعلوا، إما بالفعل أو بالتحريش والتحريض.
في مقابل هؤلاء نجد أهل الحق منهم من تمسك به على استحياء، وما قدر أن يجاهر به أو يعلنه في الناس، ومنهم من خارت قوته فتنازل، ومنهم من عدل وغير، ومنهم من ضاع وسط متطلبات الدنيا، ومنهم من تاه بين دروب الحياة، ومنهم من لم يحمل هما أصلا كل شغله أن يأكل ويشرب وينام قرير العين لا حاجة له بالمشاكل، وكأن الدفاع عن الحق ونشر الخير يجلب المشاكل.
ومنهم من حمل هما ولكن ما رزق العزيمة على الفعل فلا حول له ولا قوة يرى وينظر ويحوقل، ويكتفي بذلك من جهد المقل.
إن الحق مبدأ، وليس هذا الحق إلا الإسلام الذي ارتضاه لنا رب العالمين، والذي كان عليه رسوله الأمين وصار عليه صحابته الميامين وتمسك به التابعون المتبعون، الذي خلا من كل بدعة ونقيصة وخرافة وأباطيل، ذاك الحق الذي اجتمعت المذاهب والنحل والملل والنظم على محاربته. فأين أهل هذا الحق لينصروه فينتصروا به؟
فنعوذ بالله من جلد الفاجر وعجز الثقة.
فلهؤلاء نقول: قوموا لله بالحق مجاهرين، وله ناصرين وللباطل داحرين، ولا يكن حالكم كقول بني اسرائيل: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} فهم مقتنعون بالحق لكن ما يقدرون على التضحية من أجله كتضحية أهل الباطل بل أشد تضحية.
سيبقى القوم المفسدون على ما هم عليه؛ فهم جند إبليس الذي أقسم على الله أن يغوي بني آدم إلى يوم يبعثون، وسيبقون ما دام الليل والنهار ينصرون الباطل ويحاربون الحق، لكن الذي لا شك فيه أن الباطل ضعيف عوده داحضة حججه، وأولياء الشيطان ضعفاء، وكيد الشيطان كان ضعيفا، أما الحق فهو القوي الصامد المنتصر، فقط يحتاج إلى من يحمل همه ويتبناه إلى آخر رمق، ويجعله قضية حياة أو موت.
ألم يقل الله عز وجل: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}؟ فالقضية تتعلق بمن يتولى مهمة أن يرمي الباطل بالحق فيزهقه بإذن الله، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
فلتأخذكم الغيرة يا أهل الحق من أهل الباطل، ولتكونوا أكثر همة ونشاط في نصرة الحق؛ {فمن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، فكيف تجتهدون في أمر فيه خسران الدنيا والآخرة وتتهاونون عن أمر فيه فلاح الدنيا والآخرة؟ إنه لأمر محزن غاية الحزن حقا.