د.بنحمزة: «ضرورة الانصياع للمواثيق الدولية مجرد شعار تتحجج به فئة للمساس بهوية وقيم وأخلاق الأمة»

وفيما يخص مستند «وجوب تطبيق المساواة بين الرجل والمرأة كما أقرها الدستور المغربي لسنة 2011» قال د. بنحمزة: «إن الاحتجاج بالدستور يفرض منهجيا الرجوع إلى نص الدستور ذاته وقراءته قراءة محايدة وغير مجتزأة.
جاء في الفصل 19 من الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية: أنه يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب: وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
ويعرف الفصل الأول من الباب الأول من الدستور المراد بالثوابت فيقول: تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي.
ومن خلال هذا النص والذي قبله، يتبين أن تطبيق المساواة مرجوع فيه إلى الإسلام أولا، باعتباره أول وأقوى ثوابت الأمة، وهذا يلزم بأن تراعى أحكام الشريعة في تحقيق المساواة، ومن غير هذا، فإن إغفال الجانب الشرعي من إقرار المساواة سيكون انتهاكا صريحا لنص الدستور وإخلالا واضحا بمقتضياته.
ومن قبل أن يتحدث المعاصرون عن المساواة، فقد كان الإسلام حفيا بها فأولاها عناية فائقة إلى درجة يصح أن يقال فيها إن ظهورها فيه كان هو الباعث الأكبر على أن يعتنق المتضررون من اللامساواة هذا الدين ابتداء من زمن النبوة، إذ كان الناس ينقسمون إلى أسياد ورعاع، وإلى ملأ وآخرين يزدريهم المجتمع، وفي تاريخ النبوات كان الأنبياء يدافعون عن مبدأ المساواة فيقول نوح عليه السلام: {ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يوتيهم الله خيرا}، ردا على دعوتهم إياه إلى أن يقصي عن مجلسه المستضعفين الذين قالوا عنهم: {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي} [هود:31].
وبسبب مساواة الإسلام بين الناس اعتنقه العبيد والملوَّنون والمنبوذون في كثير من المجتمعات من أصقاع العالم».
أما المستند الثالث والأخير، والمتعلق بدعوة العلمانيين الدولة إلى «ضرورة الانصياع للمواثيق الدولية» فاعتبره الدكتور بنحمزة مجرد شعار تتحجج به تلك الفئة للمساس بهوية وقيم وأخلاق الأمة، مؤكدا أن محاولة إعطاء الأولوية للقوانين الدولية على حساب القوانين الوطنية معارض لمسألة السيادة الوطنية، وفيه مس بالهوية الثقافية «لهذا وجب لفت النظر إلى أن القيم والأخلاق والرؤى الوجودية هي ممتزجة امتزاجا عضويا بالهوية، ولا يمكن المساس بها إلا بالمساس بالهوية والكينونة، فإذا تنادى الناس مثلا إلى وجوب المحافظة على الأشجار التي تشكل مكونا بيئيا أساسيا، وإلى عدم تدميرها إلا برخصة رسمية، فإن من المستحيل منع العالم المسيحي من قطع أشجار الصنوبر لإحياء أعياد الميلاد ثم الإلقاء بها خارج البيوت.
إن قراءة الكثير من الوقائع ذات الرموز والدلالات الكثيرة تشير إلى أن العالم في مجمله يولي أهمية كبرى لقيمه، ويعلي من شأنها وإن كانت الخطابات تسير في اتجاه آخر. فقد أبدى الأمريكيون مخاوفهم حينما ترشح باراك أوباما للرئاسيات، وتوجسوا من أن يكون مسلما في عمقه، فصاروا ينبشون في علاقاته العائلية وفي ارتباطاته بوطنه الأصلي لئلا يعتلي كرسي الرئاسة مسلم، مع أن القوانين الدولية تمنع التمييز على أساس الدين، وأرى أنه من المستبعد الذي لا يعبر عنه صراحة، أن يرأس مسلم مركزا لتطوير السلاح النووي في أي دولة غربية، أو يرأس جيوشها أو مؤسساتها الاستخبارية.
ومع الدعوة إلى احترام مبدأ المساواة كما تقررها المواثيق الدولية، فإننا نرى أن من الواجب الدفع في اتجاه إقرار المساواة، وفي اتجاه إقرار استواء الثقافات، وإحلال ثقافتنا ضمن مصادر تأسيس القيم العالمية، بناء على ما تقتضيه المساواة».
وختم الدكتور مصطفى بنحمزة بحثه بقوله: «إن مما يجب لفت النظر إليه هو أن خطاب المساواة لا يتوجه به عالميا إلى باقي النظم ذات الصلة بمقررات الأديان غير الإسلام، فالمسيحية لا تسمح للمرأة بأن تكون على مستوى الرجل في ممارسة الوظائف الدينية، فهي لا ترعى الكنيسة، ولا تشارك في انتخاب البابا رئيس الكنيسة، ولا تكون رئيسة للكنيسة الكاثوليكية، والأمر نفسه يقال عن اليهودية وعن البوذية وغيرهما، ومع ذلك لا يلوح لأهل هذه الأديان بوجوب إقرار المساواة فيما هو شأن ديني لها، لكن الأحكام ذات الصلة بالشريعة الإسلامية هي وحدها التي تتعرض لشتى الهجمات تحت ذرائع مختلفة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *