الإرهاب الفرنسي في إفريقيا الوسطى

تميزت السنة التي نودعها بمأساة جديدة تفجرت في إفريقيا الوسطى، والعودة من جديد إلى التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة.
ففرنسا التي كانت تحتل هذا البلد وأذاقت أهله ألوان العذاب وظلت إلى اليوم تستنزف ثرواته وخيراته عادت لتتدخل مرة أخرى بدعوى إرساء الأمن في البلاد كما صرح بذلك وزير الدفاع الفرنسي (جان ايف لودريان).
فلم تكتف فرنسا الإمبريالية ومثيلاتها من الدول الاستعمارية باحتلال القارة الإفريقية فترة طويلة من الزمان، وممارسة كافة أشكال التمييز العنصري بحق أهلها، ونهب ثراوتها والحرص على إبقائها متخلفة، بل زادت على ذلك بنشر الفتن والخلافات بين سكانها، لتبقى الحرب الدائرة فيها بابا مفتوحا لتدخلها في أي وقت، حفاظا على مصالحها الإستراتيجية في بلاد تعتبرها إلى اليوم مستعمرات ومناطق نفوذ.
وقد جاء التدخل العسكري الفرنسي في إفريقيا الوسطى مباشرة بعد وصول أول مسلم إلى سدة الحكم فيها، فاندلعت على إثر ذلك حملات التهجير الديني القسري لعشرات الآلاف من المسلمين نحو الدول المجاورة التي رافقت هذا التدخل.
وقامت المليشيات المسيحية المسلحة بارتكاب مجازر في حق المسلمين تحت سمع وبصر القوات الفرنسية، بل وبتسهيل وتواطؤ واضح المعالم، حيث تم نزع سلاح المسلمين «سيليكا»، وترك سلاح المليشيات المسيحية «انتي – بالاكا» ليقوم بمهمة التطهير الديني الصليبي.
وتأكيدا على ذلك تم العُثور على عدد من الجثث في نهر «أوبانجي»، بعاصمة أفريقيا الوسطى «بانجي»، وبذلك ارتفع عدد المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في أفريقيا الوسطى خلال أسبوع واحد فقط إلى 3 مقابر.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أعلنت مقتل أكثر من 1000 شخص، وتشريد 210.000 آخرين، منذ بدء الصراع في البلاد، وأضافت المنظمة: إن قوات حفظ السلام الدولية فشلت في وقف التطهير العرقي «الديني»، الذي يستهدف المدنيين المسلمين غرب البلاد.
إن الغرب -وعلى رأسهم فرنسا- يحاول دائما حجب الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار عن أعين الناس، وذلك من خلال التلاعب بالمصطلحات والألفاظ، فبدلا من وصف تلك المجازر الوحشية بمصطلحها الحقيقي «الديني»، يطلق الغرب عليها اسم «التطهير العرقي».
وحتى تكتمل صورة الوجه العلماني-الصليبي القبيح لتدخل فرنسا في إفريقيا الوسطى قامت بتعيين رئيسة انتقالية مؤقتة صليبية هناك تدعى «كاثرين سامبا بانزا»، والتي كشف برلمانيون فرنسيون عن أنها تريد الإبقاء على قوات الاحتلال الفرنسية حتى فبراير من العام 2015 تاريخ الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وأرجع الكثير من الباحثين والسياسيين أسباب التدخل العسكري الفرنسي في كل من مالي وإفريقيا الوسطى إلى الجانب المصلحي الاقتصادي، حيث اليورانيوم والمعادن الثمينة والكنوز موفورة هناك، إلا أن ذلك لا يعني استبعاد الوجه الآخر الأكثر وضوحا لهذا التدخل ألا وهو «الوجه الصليبي».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *