من أجل سعي نيكولا ساركوزي الرئيس السابق لفرنسا لعودته لقصر الإليزيه قرر حزب “اتحاد من أجل حركة شعبية” تغيير اسمه وبرامجه ليقدم نفسه للناخب الفرنسي تحت اسم حزب “الجمهوريون” الفرنسي.
وفي إطار تقديمه لأوراق اعتماده للناخب الفرنسي لم يجد حزب ساراكوزي أفضل من الدخول بالملابس الاستعراضية التي يرتدي فيها زي البابا أوربان الثاني، متقلدا سيف المحارب في الحروب الصليبية، يقينا منه بأن إثارة مخاوف الناخب الفرنسي من الإسلام هي بوابة العبور الأكثر نجاح للوصول إلى أعتاب قصر الإليزيه مرة أخرى.
ففي أول جلسة أو ورشة عمل لتدشين الحزب الجديد حدد ساراكوزي موضوعها أن يكون لنقاش حول الإسلام والدولة الفرنسية، أو ما سماه بـ”إشكالية وجود الإسلام في فرنسا”، لتثير هذه البداية الجدل الكبير حول كونها تقدم قضية الإسلام في فرنسا على ما سواها من القضايا، لتقدم للناخب تصورها بأن الوجود الإسلامي أخطر ما يواجهه المجتمع الفرنسي وعليه ستتشكل السياسة الفرنسية القادمة، ولكونها أيضا جلسات مغلقة لم تدع إليها الصحافة.
ولم يكن هذا التصرف من حزب الجديد سوى محاولة لاستقطاب الناخب الفرنسي وبالأخص اليميني المتطرف منه ليؤيد الحزب الأكثر عدائية للإسلام، حيث أفادت عدة تقارير تحليلية سياسية أن الشعبية التي تزداد للجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن، سببها الرئيسي إظهار معاداة الإسلام والوجود الإسلامي وقضايا العجرة، وبالتالي حاول ساراكوزي تقليد مارين لوبن والفوز بشعبية لدى الناخبين الفرنسيين بمحاولة تخويف الرأي العام الفرنسي من الوجود الإسلامي.
ووصف الكاتب الصحفي، مصطفى الطوسة، نائب رئيس تحرير إذاعة مونت كارلو الدولية هذه البداية بالاستعراضية فقال: “في بداية الأمر كان الهدف السياسي والإعلامي واضح المعالم من هذا المشروع وهو العمل على خلق ظروف لولادة استعراضية للحزب الجديد مع تحديد مواقف جديدة من مختلف الإشكالية التي يطرحها تواجد الإسلام داخل فرنسا”، مضيفاً: “أنّ القناعة كانت موجودة لدى قيادة الحزب على أنّ الرأي العام الفرنسي، والظرفية الدولية، والتهديدات الإرهابية الآتية من الشرق، والساحل الأفريقي المتعطش لسماع مواقف وخطب سياسية تطمئنه حول علاقة الفرنسيين بالإسلام، ومسلمي فرنسا”.
وظهرت اعتراضات كثيرة من ممثلي المسلمين في فرنسا على هذه البداية العدائية الواضحة فأعلن المجلس الأعلى للديانة الإسلامية في فرنسا مقاطعة الندوة كونها “تقلل من قيمة المسلمين”، لكن حضرها عميد مسجد باريس، دليل بوبكر، وثلاثة مسئولين آخرين.
وقال عبد الله زكري، رئيس المرصد الوطني لمكافحة الإسلاموفوبيا “نحن نرفض المشاركة في هذه الندوة كونها تضر بالمسلمين وتحط من قيمتهم وتوصمهم”، وقال: “إنني مستاء جدا من هذه المسخرة ومن هذا التغيير في الموقف في آخر دقيقة”.
وكان من أهم وأخطر ما ذكره عبد الله زكري أن بعض المشاركين -منهم دليل بوبكر عميد مسجد باريس وغيره- قد تعرضوا إلى ضغوطات لكي يشاركوا فيها، وأنهم قد تلقوا تهديدات مباشرة من نيكولا ساركوزي الذي ذكرهم بأنه سيكسب الانتخابات الرئاسية في عام 2017م وسيحاسبهم حينها على هذا الرفض!!!
إن هذه البداية الاستعراضية التي أراد بها ساراكوزي عمل بروبجندا إعلامية لحزبه الجديد ما هي إلا وسيلة رخيصة لإثبات عدائيته للإسلام وللمسلمين؛ ليقينه أن الناخب الفرنسي لن يعطي صوته إلا للأشد تطرفا؛ وهو الاتجاه الذي تتحرك إليه عدة دول أوروبية بقوة متسارعة.
إن هذه المؤشرات لابد من قراءتها قراءة جيدة من منظمات مسلمي الغرب ومن ثم التعامل معها برؤية مستقبلية للأحداث، فليس من الممكن أن يتم تجاهل كل هذه المؤشرات ليبدأ المسلمون في التفكير في الحلول عند حلول ووقوع المشكلات، فلابد من تفكير استباقي لإيجاد حلول لمشكلات قادمة قد وضحت شواهدها ومعطياتها.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث