شرح المشكل من شعر المتنبي

(أبدأْتَ شَيئاً مِنكَ يُعرف بَدؤُهُ … وأعَدْتَ حتى أنكرَ الإبداء)
أي أعدت أعظم مما بدأت به، حتى لا يسمى المبدأ به بالإضافة إلى المُعاد.
لم تُسم يا هارونُ إلا بعد ما اقْ … ترعتْ ونازعتِ اسْمَكَ الأسماءُ
أي تنافست فيك الأسماء، رغبة في الشرف بذاتك، وتقديره لم تسم هارون يا هارون فاكتفى من ذكر المفعول الثاني بقوله: يا هارون، لأن نداءه إيّاه به دليل على أنه اسمه. وهذا من أحسن الحَذفِ وأجزئه.
(فَغَدَوت واسُمك فيكَ غيرُ مشاركٍ … والناسُ فِيمَا في يدْيكَ سَواءُ)
أي لم تُسم بغير هذا الإسم من الأسماء التي نازعته فيك، والناس فيما لديك سواء: أي أنه وإن لم تشترك فيك الأسماء فالناس مشتركون في مالك شركَ تساوٍ.
(ولجدت حتى كدت تبخل حائلا … للمُنتهى ومن السرور بُكاءُ)
إن شئت قلت: بلغ جُودُك الغاية. ومعروف أن الشيء إذا انتهى انعكس ضدا فكذلك جودُك، لما انتهى فلم يك مزيداً، كاد أن يستحيل بخلا. وقوله: ومن السرور بكاءُ: (أي) أعلمت أن الشيء إذا انتهى عاد إلى ضده كالسرور إذا أفرط كان بكاء.
وقال: (كدت تبخل)، ولم يقل: حتى بَخِلتْ، استقباحاً منه أن يٌوجب عليه البخل.
وإن شئت قلت: تَنَاهَيْتَ في الجود، فبخلت أن يُشارك أحدُ في اسمه، فاستحال الجودُ بخلا، كما يتحول السرورُ بكاء.
والقول الأول عندي أوجه، إذ لو كان على القول الأخير، لم يكن له معنى لأنه نُقصان من مدحه، إذ بُخْلُه بأن يُشارك في اسمه الجود غيرُ مذموم. وأما في القول الأول فالبخل المطلق مذموم. فتفهمه، فإنه جيد لطيف.
وقوله: للمتنبي: أي من أجل الانتهاء.
(لَمْ تَحْكِ نائلك السحابُ وإنما … حُمَّتْ به فَصَبِيبُها الرُّحَضَاءُ)
الرُّحضاء: عَرَق الحُمَّى يُرحَضُ: أي يعُسل. أي لم يُحاكك السحاب بمطره، ولا ناوأك، لأنه معترف أنك أندى منه.
إنما تأمل بذلك وأيقن بالعجز عنه، فحسدك فحُمَّ حمى حُساده، فمطرُها إنما هو عَرَقُ حُماها.
(لَو لَمْ تكُن مِنْ ذَا الوَرَى اَّلذْ منك هُوْ … عَقِمَتْ بمولدِ نَسْلِها حَوَّاءُ)
جعل الورى جُزءاً منه، بعد أن جعله جُزءاً من الورى، فالأول حقيقة، والثاني مجاز، لا يكون الكلُّ جزءاً لجزء. هذا خُلفٌ، لكن جعلهم منه، إشعاراً أنه جمال هذا النوع، به عُرف، وإليه نسب، فكأنه إنما يكون منه كقوله:
أنى يكونُ أبا البرايا آدمُ … وأبوك والثقلان أنت مُحمدُ
وهذا قبيح داخل في الشَّنَع.
وقوله: عَقَمتْ بمولد نسلها حواءُ: أي لو لم تكن من ولدها كان نسلُها كلا نسْل، حتى كأنها عقيم، لم تلد قَطُّ.
وقوله: بمولد نسلها: أي عُدَّتْ عَقِيماً على أنها قد ولدت.
وله أيضا: (يَحولُ بين الكلْبِ والتأمُلِ)
إن شئت قلت إن الظبي يُجهد الكلب فيشغله عن التأمل. وإن شئت قلت: إنه يمنع الكلب أن يتأمله بسرعته، كقول البحتري يصف فرساً:
جَارِي الجيادَ فَطارَ عن أوْهَامها … سَبْقاً وكادَ بطيرُ عن أوهامه
وهذا أبلغ من قول أبى الطيب، لأن سبق الوهمِ أدلُ على السرعة من سبق الطرف مع لفظ الطيران، والطيران أبلغ في السرعة، ولذلك شبهت العرب خيلها بالطير كقول لبيد: وَكأني مُلْجَمُ سُوذَا نِقا وكقول الآخر:
كأنَّ غُلامي إذا علا حالَ مَتْنِه … على ظهر بازٍ في السماء نُحلقِ:
وصايا الملوك
وصية يزيد بن هاشم
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن سيف بن ذي يزن بن أسلم بن زيد بن الغوث الأصغر بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن شدد بن زرعه وهو حمير الأصغر بن كعب بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس لما وفد إليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس القرشي وخويلد بن أسد بن عبد العزى في النفر الذين وفدوا بهم من قريش، فاستأذن عبد المطلب له ولمن معه بالوصول إلى سيف بن ذي يزن واسمه النعمان بن معد يكرب بن أسلم بن زيد بن الغوث الأصغر.
قال: فأذن لهم بالدخول، فدخلوا عليه، فاستأذن عبد المطلب بن هاشم في الكلام، فقال له وزير سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم بين أيدي الملوك فقد أذنَّا لك. قال: فقام عبد المطلب بين يديه وحوله الملوك وأبناء الملوك، وعن يمينه وشماله الأقاول وأبناء الأقاول وسيفه مجرد بين يديه، وهو مضمخ بالعنبر، ووبيص المسك في مفرقه. فقال له عبد المطلب: إن الله قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن، فأنت – أبيت اللعن – رأس العرب الذي تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، وربيعها الذي تخضب منه البلاد، سلفك خير سلف، وأنت من بعدهم خير خلف، فلن يخمل ذكر من أنت سلفه ولن يهلك من أنت خلفه. أيها الملك نحن أهل حرم الله وسكنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة
قال: فلما سمع سيف بن ذي يزن هذا الكلام من عبد المطلب بن هاشم أقبل عليه بوجهه، فقال له: أيهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: فقال سيف بن ذي يزن: ابن أختنا؟ قال: نعم. قال: فقال سيف بن ذي يزن: ادن إلي يا عبد المطلب بن هاشم. ثم أقبل عليهم جميعاً فقال لهم: مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً رِبحلاً يعطي عطاء جزلاً. قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم. ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود. قال: فأقاموا شهراً لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم بالانصراف..
أمثال العرب
قد أنصف القارة من راماها
زعموا أن رجلا من جهينة رمى رجلا من القارة – وهم بنو الهون بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر- فقتله، فرمى رجل من القارة رجلا من جهينة، وكان القارة فيما يذكرون أرمى حيّ في العرب، فقال قائلهم: قد أنصف القارة من راماها فأرسلها مثلا.
أسماء خيل العرب وفرسانها
خيل ربيعة بن نزار
قال اللجاج بن عبد الله:
حبا مضر وأنمار أخاهم … أبا أسد ربيعة بالجياد
وقال يحيى بن منصور:
نزار كان أعلم حين يوصي … لأي بنيه أوصى بالحمار
وأيهم أحق بكل طرفٍ … معوج في الرقاق وفي الخبار
الرقاق: المكان الواسع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *