والاجتهاد في امتثال ما امـر وفي اجتناب ما لدى النهي اعتبر
وفي المسببات ما قد عمــا وبعضها يخص من قد أمـــا
كمثل قطع الرزق في الزمان بالنقص للمكيال والميـــزان
«فصل»
في الفائدة الرابعة، وهي: انتهاض الهمة واكتساب الاجتهاد ـبذل الجهد والطاقةـ في امتثال واجتناب المنهيات.
قال الناظم: «و» من فوائد ذلكـ أيضا ـ«الإجتهاد» بذل «الجهد» والطاقة «في امتثال ما» به المرء «أمر» شرعا «و» كذلك «في اجتناب» وتوقي «ما لدي» في «النهي» يعني المنهي عنه «اعتبر» وعد «و» إنما تكتسب هذه الفائدة من هذه الجهة -جهة التفات المتسبب إلى المسببات- لأن من «المسببات ما قد عما» أي ما يكون عاما من حيث إنه غير مقصور على من اكتسبه، بل يقع عليه وعلى غيره.
ومن حيث عمومه لجزيئات مختلفة من الخير والشر. «وبعضها» أي المسببات ليس كذلك بل إنما «يخص من قد أما» -الألف للإطلاقـ أي أمه قصدهـ وأتى به كما أنه لا يكون إلامفردا. أما أمثلة المسببات العامة فـ«كمثل قطع الرزق» عن الخلق «في الزمان» الذي اتصف أهله «بالنقص للمكيال والميزان» ف﴿إذا اكتالوا على الناس يستوفونهم وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون﴾ِ وكمثل الحكم بغير الحق الفاشي عنه الدم، وختر العهد الذي يكون عنه تسليط العدو، والغلول الذي يكون عنه الرعب. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله الرعب في قلوبهم، ولا فشا الزنا في قوم إلا وكثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم العهد إلا سلط الله عليهم العدو».
ومثل الانتفاع بالمبيع حلا وكالسكر من الممنوع
«و» أما أمثلة المسببات الخاصة فهي «مثل الانتفاع بالمبيع» الناشئ عن البيع حال كونه «حلا» أي حلال فإنه مقصور على من كسبه فلا يتعداه إلى من سواه، كما أنه في ذلك المبيع، فلا يشمل أمورا أخرى بذلك البيع، هذا في الحلال «و» أما في الحرام فـ«كالسكر» الناشئ «من» أي عن شرب «الممنوع» المحرم، كالخمر، فإنه مقصور على صاحبه، كما أنه يشمل ما سوا ذلك.
والعامل إذا نظر في ما يتسبب عن عمله من الخيرات أو الشرور اجتهد في اجتناب المنهيات، وامتثال المأمورات رجاء في الله وخوفا منه، ولهذا جاء الإخبار في الشريعة بجزاء الأعمال وبمسببات الأسباب.
«المسألة الحادية عشرة»
والسبب الممنوع في الموارد هو الذي يختص بالمفاسد
وعكسه المختص بالمصالح ما كان مشروعا لأمر صالح
والعكس أن يبد بكل واحد ليس بحكم الأصل في المقاصد
والواجب التماس أسباب أخر تناسب الحكم الذي بعد ظهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«المسألة الحادية عشرة »
في أن الأسباب الممنوعة أسباب للمفاسد لا للمصالح، كما أن الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد.
قال الناظم: «والسبب الممنوع» أي الذي ورد منعه والنهي عنه «في الموارد» الشرعية -النصوص الشرعية- «هو الذي يختص» ويتميز «بـ» أنه لا يترتب عنه إلا «المفاسد» لا غير، «وعكسه» وهو السبب المشروع هو «المختص»ا لمتفرد «بـ» كسب «المصالح»، بذلك فهو «ما» أي الذي «كان مشروعا» أي موضوعا شرعا «ل» كسب وتحصيل «أمر صالح» لأحوال الخلق في معاشهم ومعادهم.
هذا هو الأصل في هذا الشأن «و» أما «العكس» لهذا الذي تقرر «أن يبد» في واقع الأمر «بكل» أي في كل «واحد» من الضربين: السبب المشروع والسبب الممنوع، بحيث ترتبت على الممنوع المصلحة وعلى المشروع المفسدة، فإن ذلك «ليس بحكم» ناشئ عن ذلك «الأصل» المقرر بمقتضى (في المقاصد) الشرعية، فالمفاسد لا تنشؤ عن الأسباب المشروعة، والمصالح لا تنشؤ عن الأسباب الممنوعة «وإنما» حصل «ذاك» الذي يبدوا في ظاهر الأمر «بـ» مقتضى و«حكم العرض» العادي الذي يعرض في سبيل تحصيل ما وضع له ذلك السبب وبحكم الأسباب «التبعيات لـ » لسبب الذي هو ال«أصل» في تحصيل «الغرض» الشرعي في ذلك الموضع.
«و» إذا تقرر هذا وهو أن المفاسد الناشئة عن الأسباب المشروعة ليست بناشئة عنها، وإنما هي ناشئة عن أسباب عادية عرضت في سبيل تحصيل مسببات تلك الأسباب المشروعة، أو عن أسباب تبعية حدثت وأن المصالح الناشئة عن الأسباب الممنوعة يقال فيه مثل ذلك، فإنه من «الواجب التماس» والبحث عن «أسباب أخر تناسب الحكم الذي بعد» ما تقرر السبب الشرعي في ذلك المقام «ظهر» وهو مخالف لمقتضاه.