سعة فضل الله ومغفرته “..ذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها، فهي صغيرة في جنب عفوه ومغفرته”.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك, يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة” صحيح.

قال ابن دقيق العيد: “في هذا الحديث بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم, وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان والرأفة والرحمة والامتنان”.
وقد تضمن ثلاثة أسباب تحصل بها المغفرة كما قال ابن رجب رحمه الله.
(يا ابن آدم): المراد به المسلم الذي اتبع رسالة الرسول الذي أرسل إليه.
(يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي): هذا المقطع منتزع من قوله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.
فقوله “دعوتني” أي: دعوتني لأغفر لك ذنوبك.
والدعاء مأمور به موعود عليه بالإجابة كما قال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”.
والدعاء من أجل ما يتقرب به العبد إلى ربه، فإن الدعاء عبادة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “الدعاء هو العبادة” إلا أن الدعاء لا يستجاب إلا مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، ومن أهم شروطه الرجاء في فضل الله تعالى، ولذلك قال في الحديث: “ورجوتني”.
وحقيقة الرجاء: حدو القلوب إلى المحبوب وهو الله والدار الآخرة, وهو لا يصح إلا مع العمل.
“غفرت لك”: المغفرة في أصل اللغة من غفر بمعنى: ستر، والمراد ستر أثر الذنب (أي: العقوبة عليه) في الدنيا والآخرة.
“على ما كان منك ولا أبالي” أي: على كثرة ذنوبك فإنه لا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره.
قال ابن رجب رحمه الله: “فذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها فهي صغيرة في جنب عفوه ومغفرته”.
وهذا السبب الأول.
وقوله: ” يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك”.
هذا المقطع بيان لفضل الله بتودده لعبده مما يوجب محبة العبد لربه تبارك وتعالى.
“عنان السماء”: العنان: السحاب, وقيل: ما انتهى إليه البصر منها, وذلك كناية على كثرة ذنوب العبد, فإن الله تعالى لسعت عفوه ورحمته يغفرها كلما تاب إليه العبد واستغفر مخلصا صادقا.
قال تعالى: “وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ”.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره للآية: “(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) عما صدر منكم من الذنوب، (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فيما تستقبلون من أعماركم بالرجوع إليه، بالإنابة والرجوع عما يكرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه”.
وهذا السبب الثاني.
وقوله: “يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”.
وقراب الأرض: أي: ملؤها.
وهذا السبب هو الثالث من الأسباب الجالبة لمغفرة الله وعفوه.
قال ابن رجب رحمه الله: “السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد, وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة, ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة, قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه, ثم كان عاقبته ألا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة. قال بعضهم: الموحد لا يُلْقَى في النار كما يلقى الكفار ولا يَلْقًى كما يَلقى الكفار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *