لا يتورع الاحتلال الصهيوني عن استخدام أقذر الأساليب لوأد الانتفاضة الفلسطينية، فالقتل والإعدامات الميدانية لم تعد تشفي غليل الحقد لديه، مع تحول الشهداء إلى أيقونات ووقود للانتفاضة، فانتهج جرائم “القتل البطيء”، باستهداف أطراف الشبان الفلسطينيين عند المواجهات، ما يتسبب بإعاقات دائمة.
في بداية الأسبوع الماضي أجريت مناسبة لتكريم المصابين، ووضعت صفوف من الكراسي إلى جانب الشارع الرئيس، الذي تم وقف الحركة فيه، وشيئا فشيئا امتلأت الكراسي بسكان مخيم الدهيشة في بيت لحم، بالمصابين ومن جاء لتكريمهم.
المصابون تحدثوا بانفعال عن الأدوية التي تعمل على وقف النزف وعدم الشعور بالألم وعن العمليات، تحدثوا عن أشهر طويلة لم يتمكنوا خلالها من الذهاب وحدهم إلى الحمام والاستحمام، وعن العضلات التي أصبحت ضعيفة، وعن الشوق إلى ملامسة الأرض، وحسب التقديرات، فإن الحديث يدور عن أكثر من 100 مصاب في الضفة الغربية معظمهم من الأطفال.
قسم الترجمة والرصد في “المركز الفلسطيني للإعلام” تابع مقالا بعنوان “الجرائم المسكوت عنها” للكاتبة “عميرة هيس” في صحيفة هآرتس، حول إطلاق جيش الاحتلال النار على شبان الانتفاضة بهدف زيادة أعداد المعاقين.
جيش جبان
“عشرات الفلسطينيين أصيبوا في أقدامهم برصاص الجيش الإسرائيلي، والاعتقاد السائد أن ذلك يعبر عن قرار وتوجه لجعل الشبان الفلسطينيين معاقين يسيرون على عكازات”، تقول “عميرة”، وتضيف: “في أزقة مخيم الدهيشة للاجئين يسير على العكازات فتيان لم يتجاوزا العشرينيات من أعمارهم، حيث أصيبوا في الآونة الأخيرة برصاص الجيش الإسرائيلي”.
وتتابع: “كل واحد منهم أجرى عدة عمليات جراحية مطولة وينتظره المزيد، وهم يحتاجون لرعاية دائمة وإلى إعادة تنظيف الجرح وإخراج الشظايا، وإلى المزيد من الأدوية المضادة للالتهابات واستبدال قطعة البلاتين التي زرعت”.
وتشير “الكاتبة” إلى شهادات عديدة واقعية، أجمعت على هدف الجيش الصهيوني إيقاع أكبر عدد من الإعاقات الجسدية للشبان، وقالت: “ثلاثة اقتحامات للجيش الإسرائيلي على مخيم الدهيشة الواقع في جنوب بيت لحم مؤخرا، بين نهاية تموز وبداية آب، انتهت بعدد من الاعتقالات، ولكنها أسفرت أيضا عن 15 مصابا، بإطلاق الرصاص الحي، ووضعهم الصحي صعب”، وتضيف: “هذا التركيز في عدد المصابين، والذين استهدف جنود الاحتلال أطرافهم وبالأخص منطقة الركبة، بعضهم سيبقى معاقا طوال حياته”.
وتقول الكاتبة “عميرة” إن بعض الشبان تم اعتقالهم بعد العملية الجراحية، أو قبل العملية الثانية، وتمت محاكمتهم لبضعة أشهر مع دفع الغرامات، لكن إيمان المصابين بقضية شعبهم، والمبدأ القائل بأنهم يقاومون الاقتحامات للمخيم بالحجارة، دفعهم للمضي بمقاومتهم”.
“السير على العكازات”
ولدى أهل مخيم الدهيشة قناعة بأن اليد الموجهة لضربهم تتمثل بـ”كابتن نضال” (ضابط صهيوني بالشاباك)، الذي ينتفم من المخيم لأن أحد سكانه، قام بتصويره في أحد الاقتحامات، ووضع صورته على الفيس بوك، تنقل “عميرة” عن السكان.
وتتابع: “في التحقيقات وفي المكالمات الهاتفية والزيارات البيتية يقول (الكابتن نضال) للشبان هنا لن يسقط أي شهيد، لكنكم جميعكم ستسيرون على العكازات”، وفي مناسبة أخرى يقول لهم “سنجعلكم معاقين”.
الكابتن نضال (هذا اللقب بحد ذاته هو عبارة عن تعد، حسب رأيهم، لأن كلمة نضال تعني المقاومة)، وقد ظهر نضال في المخيم قبل سنة أو يزيد، هم لا يذكرون بالضبط، وكانت هناك شكاوى قدمت لمؤسسات دولية حول فظاظته. هذا ما قيل للصحيفة. وقد اختفى بضعة أشهر ثم عاد للظهور مجددا.
وفي قرية تقوع الواقعة شرقي المخيم، أصيب نحو 20 شابا خلال بضعة أشهر في أقدامهم، وقد توعد ضابط آخر في الشاباك يطلق على نفسه “عماد” (هذا هو الاسم الذي يذكرونه، لكنه ليسوا متأكدين 100 في المائة) الشبان الذين يتصادمون مع الجنود المقتحمين للمدينة، بأنهم سيصبحون معاقين، كما أن كثيرا من الإصابات بالرصاص الحي لسكان مخيم الفوار الذين اقتحمه الجيش الصهيوني قبل عشرة أيام هي في الركبتين أيضا.
الرصاص المحرم
وعلى مدى ثلاثة أيام التقيت مع (12 مصابا)، تقول الكاتبة في هآرتس، “المحظوظون منهم أصيبوا بالعضلات وآخرون تكسرت عظامهم أو تقطعت أوتار أعصابهم؛ “ع” الذي أصيب برصاصتين أصيب بالغيبوبة مدة عشرة أيام، وكان هناك خوف على حياته، وأصدقاؤه لم يبتعدوا عن سريره إلى أن استيقظ وهو بلون الشيد”.
وتتابع الكاتبة؛ بعض هؤلاء المصابين أصيبوا برصاصة اخترقت إحدى القدمين، ومنها إلى القدم الأخرى ومن ثم خرجت، وهناك شباب تم إطلاق النار عليهم مرتين، (مرة في كل قدم)، وهذا ما حدث لـ “ي” و”ح” الذي حاول إنقاذ صديقه الأول؛ وتلخص الحكاية: ” “ي” كان خارج البيت، وعند بزوغ الفجر شاهد 20 جنديا يقتحمون المخيم، وتم إطلاق النار على قدمه فسقط؛ و”ح” (18 عاما) ركض من أجل إنقاذه وحمله باتجاه البيت، لكن أحد الجنود أطلق النار عليه، وحاول السير وهو يحمل صديقه فتم إطلاق النار عليه مرة أخرى فسقطا معاً، وحينها تم إطلاق النار على قدم “ي” الثانية”..
وختمت الكاتبة “عميرة هيس” مقالها: “إن أغلبية الشباب الذين أصيبوا يفضلون عدم التحدث مع صحفية إسرائيلية حول ظروف الإصابة، أي أنهم لا يفضلون القول إنهم رشقوا الحجارة نحو الجنود الذين جاءوا في الفجر أو بعد منتصف الليل إلى أزقة المخيم، لاعتقال أصدقائهم وجيرانهم أو من أجل توزيع الاستدعاءات للتحقيق”.
(المركز الفلسطيني للإعلام)