نحن سياسيون منذ خلقنا، لأننا مسلمون منذ نشأنا، وما الإسلام الصحيح بجميع مظاهره، إلا السياسة فى أشرف مظاهرها، وما المسلم الصحيح إلا المرشح الإلهي لتسيير دفتها، أو لترجيح كفتها فإذا نام النائمون منا حتى سلبت منهم القيادة، ثم نزعت منهم السيادة، فنحن إن شاء الله كفارة الذنب، وحبل الطنب، نحن سياسيون طبعًا وجبلة، ونحن الذين أيقظنا الشعور بهذا الحق الإلهي المسلوب، فما سار سائر فى السياسة إلا على هدانا، وما ارتفعت فيها صيحة إلا كانت صدى مرددًا لصيحاتنا، ولكننا كنا لا نريد آن نخلط شيئًا كل وسائله حق بشيء بعض وسائله باطل، وأن نميز بين ما لا جدال فيه، مما فيه جدال.
وكنا نريد أن نبدأ بأصل السياسات كلها وهو الدين لنبني عليه كل ما يأتي بعده، فنسالم ونحن مسلمون، ونخاصم ونحن مسلمون، ونصادق أو نعادي ونحن مسلمون، فيكون في إسلامنا ضمان للمعدلة حتى مع حقوقنا.
نحن سياسيون لأننا ديننا يعد السياسة جزءًا من العقيدة، ولأن زماننا يعتبر السياسة هي الحياة، وأنها آية البطولة، ولأن وضعها يصير السياسة ألزم للحياة من الماء والهواء، ولأن السياسة نوع من الجهاد، ونحن مجاهدون بالطبيعة، فنحن سياسيون بالطبيعة، ولأن الاستعمار الفرنسي بظلمه وعسفه، لم يغرس في الجزائر إلا ثمرتين: بغض كل جزائري لفرنسا حتى الأطفال، وصيرورة كل جزائري إلى سياسي حتى الأئمة. ليت الاستعمار يأخذ من هذه الصراحة ما يغريه بزيادة التشدد، ظنًا منه أنه يشغلنا بجانب عن جانب، ويلهينا بديننا عن دنيانا، ليته يفعل ذلك حتى يعلم أننا أصبحنا والفضل له لا يلهينا شيء عن شيء.
وأننا إذ لم نستطع شيئًا استطعنا أشياءً، وإذا لم نستطع أن نكون عطشًا لخصمنا كنا كدرًا في الماء، وأننا إذا حرمنا قمح الأرض زرعناها أشواكًا، وأنه لم يبق قلب في الجزائر، يتسع لذرة من حب فرنسا، أو يتسع لخيط أمل فيها، وليعلم أخيرًا أن الله للظالمين بالمرصاد.
ولا نقول ربحنا أو خسرنا، فالربح والخسارة من مفردات قاموس التجار، أما الجهاد الذي غايته تثبيت الحقائق الإلهية فى الأرض، وغرس البذور الروحية في الوجود فغلته سماوية لا تحمل معاني التراب، متسامية لا تسف إلى ما تحت السحاب، وأما المجاهدون في سبيل ذلك، فلا يعدون الربح والخسارة في آرابهم، ولا يدخلون الوقت طال أم قصر في حسابهم.
آثار العلامة محمد البشير الابراهيمي