قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- : ” يا من ضيَّع عمره في غير الطاعة، يا من فرَّط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن و شهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة؟!
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه *** والصور في يوم القيامة ينفخ
رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حظه من قيامه السهر، كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعدا، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا.
يا قوم! أين آثار الصيام؟ أين أنوار القيام؟
هذا -عباد الله- شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع.
قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، و تراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر و لا تسمع.
كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار؟ أفما لنا فيهم أسوة؟!
يا نفس فاز الصالحون بالتقى *** وأبصروا الحق و قلبي قد عمي
يا حسنهم والليل قد جنّهم *** ونورهم يفوق نور الأنــجم
ترنَّموا بالذكـــر في ليلهم *** فعيشهم قد طـاب بالتــرنُّم
قلوبهم للذكــر قد تفرَّغت *** دمــوعهم كلـؤلـؤ منتَظم
أسحارهم بهم لهم قد أشرقت *** وخلع الغفــران خير القسم
ويحك يا نفـــس ألا تيقظ *** ينفع قبل أن تزل قدمـــي
مضى الزمان في توان وهـوى *** فاستدركي ما قد بقي واغتنمي”
(لطائف المعارف).