وَصَايَا نَبَوِيَّةٌ فِي مُعَامَلَةِ المَرأَةِ.. عبد الواحد المسقاد

كلّما حلّ الثامن من شهر مارس من كل سنة، إلا وسمعنا الحديث بغزارة عن المرأة، قنوات إخبارية تستعرض أهم المنجزات، وما تم تحقيقه من مكتسبات تصون المرأة وتحفظ كرامتها؛ حيث تُعقد برامج وندوات تعيد الحديث بإسهاب عن المرأة، وكل ذلك يعتبر قليلا في حقها، فيوم واحد خلال السنة، لم يكن كافيا لاستيفاء حقها، ألم نتدبر ءايات القرآن الكريم في تعظيم شأن المرأة..؟ ألم نتأمل أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام في تكريمها..؟
لقد كرّم الإسلام المرأة بنتا وأختا وزوجة وأمّاً، ورفع من شأنها وأعلى من مكانتها، واعتبرها شقيقة الرجل في الأحكام؛ حيث ورد اسمهما مقرونا به في الخطاب، دلالة على مساوتها له في الأحكام الشرعية، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
وسأستعرض بعضاً من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة؛ حيث كانت النظرة المتدنية للأنثى سائدة في الجاهلية، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] فجاء الإسلام بشريعته الغرّاء، فأنقذها من براثن الاضطهاد والازدراء وأوصى بالمرأة خيرا.
أحاديث نبوية في تكريم المرأة :
لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، القدوة الحسنة؛ من خلال العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، بل ومن خلال ممارسته العملية مع نسائه ونساء المسلمين، قال صلوات الله وسلامه عليه: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهـلي) (رواه بن ماجة).
لقد ضرب أروع الأمثلة في التعامل مع زوجاته، وجعل من تمام الإيمان وكماله، اللّطف بالزوجة وعدم القسوة والجفاء عليها، فخشونة الطبع أو القساوة في القول أو الفعل، أمر تنفُر منه النفس وتبغضه؛ حيث قال صلوات الله وسلامه عليه (أكمل المؤمنين أيماناً، وأقربهم مني مجلساً، ألطفهم بأهـله) (رواه الترمذي) وقد أحاطها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمزيد من الاهتمام والتكريم، ومن ذلك وصيّته العامة بالنساء في خطبته الشّهيرة في حجة الوداع قبل موته.
قائلا صلوات الله وسلامه عليه: (استوصوا بالنساء خيرا) رواه البخاري.
حق المرأة في الإسلام مكفول دون طلب منها.
“إن الإسلام قد منح للمرأة حقها ابتداء وبدون طلب منها، وبدون ثورة، وبدون جمعيات نسوية، وبدون عضوية برلمان!! منحها هذا الحق تماشياً مع نظرته العامة إلى تكريم الإنسان جملة، وإلى تكريم شِقَّيْ النفس الواحدة، وإلى إقامة نظامه الاجتماعي كله على أساس الأسرة، وإلى حياطة جو الأسرة بالود والمحبة والضمانات لكل فرد فيها على السواء”.
مساواة المرأة للرجل في الحقوق المدنية، وحق التملك.
“ومن الجانب القانوني، فالمتأمل لوضع المرأة في الإسلام ووضعها في الدول الغربية، يدرك بجلاء، أن الإسلام قد سوّى كذلك بين الرجل والمرأة أمام القانون، وفي جميع الحقوق المدنية سواء في ذلك المرأة المتزوجة وغير المتزوجة. فالزواج في الإسلام يختلف عن الزواج في معظم أمم الغرب المسيحي، في أنه لا يفقد المرأة اسمها ولا شخصيتها المدنية، ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك.
بل تظل المرأة المسلمة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها، وبكامل حقوقها المدنية وبأهليتها في تحمل الالتزامات وإجراء مختلف العقود، من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية وما إلى ذلك، ومحتفظة بحقها في التملك تملكا مستقلا عن غيرها.
فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته. ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا من مالها -قل ذلك أو كثر- وقال: «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» (النساء:229) وإذا كان لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا مما سبق أن آتاه لزوجته فلا يجوز له من باب أولى أن يأخذ شيئا من ملكها الأصيل إلا أن يكون هذا أو ذاك برضاها، وعن طيب نفس منها.
وفي هذا يقول اللّه تعالى: «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً، فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» )النساء:4) ولا يحل للزوج كذلك أن يتصرف في شيء من أموالها، إلا إذا أذنت له بذلك، أو وكلته في إجراء عقد بالنيابة عنها. وفي هذه الحالة يجوز أن تلغي وكالته، وتوكل غيره إذا شاءت.
وهذه المنزلة من المساواة لم يصل إلى مثلها -بعد- أحدث القوانين في أرقى الأمم الديمقراطية الحديثة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر المعتمدة:
-القرآن الكريم.
-في ظلال القرآن، لسيد قطب.
-صحيح البخاري.
– كتب السنن/ سنن الترمذي/ سنن ابن ماجه.
– حقوق الإنسان في الإسلام، للدكتور عبد الواحد وافي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *