من أهم الإشارات المسمومة التي نفثها سعيد لكحل في مقالته: أن مكمن الداء في هذا المقرر التربوي عند هذا “الباحث”: أنه “يفرّخ” الإرهابيين الدواعش؟! وأنه هو في نظره يريد تسفيه مادة الفلسفة في أعين المتلقين (التلاميذ) وذلك من خلال ما تناوله درس “الإيمان والفلسفة” اعتمادا على نص فكري لابن الصلاح الشهرزوري حول رأيه في تعلم الفلسفة وقيمتها العلمية..
ليجد هذا “الباحث التنويري” الأرض خصبة والميدان فسيحا ليصول ويجول ويقيم الأرض ولا يقعدها كعادته للنيل والكيل بمكيالين من كل ما هو إسلامي تربوي، فيرى أن التربية الإسلامية كلها شر وتطرف..؟! وأنها تخرّج نخبة من التلاميذ الدواعش..؟! وأنها محضن الإرهاب..؟!
وهذا كما عهدناه هو ديدن “الفكر الكحلاوي” الغارق في الاستئصال والتطرف البغيض لكل ما هو إسلامي منذ قديم الزمان وليس وليد اليوم أو البارحة.
يقول “لكحل” -ناقما على مقرر التربية الاسلامية بناء على توقعاته المستقبلية-: (…فالكتاب لا يتعامل معه تلميذ واحد ولا قسم واحد ولا مؤسسة واحدة. لهذا خطورته كبيرة وحقيقية على عقول ونفوس التلاميذ الذين لم يمتلكوا بعد حاسة النقد ولا الجرأة على السؤال. وستزداد خطورة الكتاب مع توالى الأعوام وتزايد أعداد التلاميذ الذين يدرسون محتوى هذا الكتاب وينقلون أفكاره التكفيرية إلى أسرهم ومحيطهم الاجتماعي…).
هذا ما وصل إليه الفكر الماركسي البغيض من توقعات ودراسات استشرافية مستقبلية؛ لكي يحذر الشعب المغربي قاطبة من أن مقررات التربية الإسلامية تنقل أفكار التطرف والارهاب إلى كل بنيات المجتمع المغربي وعلى رأسها الأسر المغربية وما يدور في محيطها…؟؟!!
وهذا التهويل لا يخفى علينا من أمثال هؤلاء المتطرفين فكرا وسلوكا ومنهجا.. وقد عهدنا منهم هذا الخطاب منذ زمن مبكر.. وهو ديدن الفكر المخالف للقيم وللتعاليم الاسلامية الوسطية السمحة..
ولا يقف الأمر عند هذا الحد من المكر والسفه.. بل تجد الرجل “يجتهد” بكل ما أوتي من قوة فكرية وحنق وإلى أبعد حد فيصف سبب تغيير مقرر التربية الاسلامية ناتج عن: (محتواها المتشدد والمناهض لقيم المواطنة وثقافة حقوق الإنسان…).
ولم يستحي هذا الاستئصالي البغيض عند هذا القدر بل حكم بجرة قلم على أن: (مقرر التربية الإسلامية محشو بالكراهية والغلو.. وهو بهذا – يقصد ابن كيران- يشرعن هذا النهج التكفيري ويُمأسسه. فلم يعد التطرف والتكفير منبوذا ومُحارَبا داخل المدرسة، بل جعله السيد بنكيران جزءا من بنيتها التعليمية والتربوية التي تشكل وجدان وفكر التلميذ الذي لن يشعر بالحرج أن ينعت أستاذه في الفلسفة بالزندقة والضلال والتيه والشيطنة).
ويزداد لكحل حنقاً وبؤساً حينما يعلنها صراحة دون استحياء بقوله: (أن بنكيران يبَيّئُ التطرف ويشرعن التكفير ويمأسس الكراهية؟! فأن يحرض واضعو هذا المقرر ضد تدريس الفلسفة ومدرسيها، ليس له من معنى سوى إثارة الفتنة داخل المجتمع وتشكيل وجدان أجيال تنفر من الفلسفة ومن العقل وتضمر الكراهية لكل ما هو عقلاني وعلمي..؟! لقد جعلوا من المدرسة بؤرة للتطرف وسيحولونها حتما مشتلا للإرهابيين وحاضنة لهم. فالمدرسة، ستتحول إلى مقرات لتأطير وتخريج الدواعش؛ وهذا أكبر خطر على المجتمع والدولة والوطن، إذ تتحول مؤسساته الرسمية إلى معاول هدم كل ما هو حضاري…).
يا سبحان الله.. فالقارئ لهذا الكلام هل يصدق فعلا مثل هذه الخرافات والخزعبلات “الكحلاوية” لدرجة أنه يهذي هذيانًا .. ويهرف بما لا يعرف.. معتبرا نفسه أنه “مفكر حداثي في الجماعات الإسلامية” لينال من كل ما هو إسلامي.. أو لينقم من كل ما هو إصلاحي.. فهل بمثل هذا الفكر نبني وطننا المغرب؟ وهل بمثل هؤلاء تنطلق رافعة التنمية الثقافية والسياسية والأخلاقية؟ وهل بمثل هذا الفكر البئيس نربي الاجيال على التسامح والتعاون والتضامن والإخاء…؟ كلا.. وألف كلا..
لن نحقق أية تنمية أو تقدم في الفكر والثقافة ونحوهما ما دام هناك فكر ظلامي عدمي استئصالي حاقد على الهوية الإسلامية والثقافة الإسلامية والتربية الإسلامية.. يقرؤها قراءة حربائية ماكرة صباح مساء.. بل ويجنّد لها كل طاقاته المادية والفكرية والسياسية والمعنوية.. لن نتقدم قيد أنملة ما دام أمثال هؤلاء يقولون دون استحياء أو اعتذار بأنه: (لن تكون لخطط إصلاح الحقل الديني ومكافحة التطرف وتجفيف منابعه أية نتائج إيجابية وفعالة.. لأنها تركز على خطاب الفقهاء والخطباء في المساجد، بينما المؤسسات التعليمية التي من المفروض أنها تساهم مباشرة في تشكيل ذهنية الأطفال والتلاميذ وتعليمهم طرق التفكير السليم، ستتخلى عن وظيفة الارتقاء بالإنسان حتى يصير ذا بُعد كوني، مقابل تنميط تفكيره وحجز عقله وتأهيله للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة التي تكفر المجتمع والدولة والمؤسسات..؟!).
هكذا نجد “لكحل” يخاف كثيرا على بنيتنا التعليمية والتربوية ويدافع بكل ما أوتي من قوة فكرية ومجادلات عقلية بأن الحقل الديني الحالي لا يساهم في نشر الإسلام الوسطي..؟! وأنه يحجّر عقول الناشئة لتكون “قنابل موقوتة” في المستقبل لزعزعة أمن واستقرار المجتمع والدولة… فهل يصدق ذو عقل سليم مثل هذا الهراء والتفاهات المقيتة التي تُكتب وتنشر من أجل تصفية حسابات وجلب الاضواء والبهرجة الإعلامية المأجورة…؟!
هكذا نجد “الفكر الكحلاوي” السوداوي يكيد كيدا ويبيّت أمرا خبيثا للنيل من كل ما هو تربوي إسلامي.. لا يذكر محاسنه أبدا.. ويبحث بالمجهر والتلسكوب عن الجزئيات والفرعيات والقشور الثانوية وما بين السطور وعلامات الترقيم من أجل تحقيق مقصد وحيد أوحد وهو: اجتثاث مادة التربية الإسلامية وما يدور في فلكها من عقول وقلوب ابناء المغاربة المسلمين..
وهو ليس بخافٍ علينا كيد القوم منذ قديم الزمان.. فهم الذين طبّلوا وصفّقوا لقضية نزع النقاب من المجتمع المغربي المسلم.. وهو القوم الذين أيدوا حذف مادة الإرث من التربية الإسلامية.. وهم الذين نالوا من درس الحدود الشرعية زعمًا منهم بأنها تسيء الى حقوق الإنسان..؟!
وهم الذين سعوا في تشويه صورة التربية الإسلامية حتى تقلصت ساعاتها الى أقل مستوى لها في التعليم.. أضف الى ذلك هزالة مُعاملها.. فاصبح التلميذ يتعامل معها “بروح باردة جافة”.. وهكذا يسعون لمحاربتها قصد اجتثاتها واستئصالها ألبتة.. وهكذا يكيدون في كل قضايا الأمة الإسلامية دون حياء أو استحياء من أجل نشر الفساد والإفساد فكرا وسلوكا وممارسة…
قال تعالى وهو أصدق القائلين: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (الطارق:17).
ختاما.. أتمنى صادقـًا أن يعود لكحل إلى رشده وإلى جادة الصواب، وأن يكفّ عن الاستمرار في نشر الفكر المتطرف البغيض وقلب الحقائق بالزور والبهتان في تدخلاته عبر القنوات الفضائية المغربية، حتى يوفر على إعلام البلد جلب سبّة التخلف والسطحية، وغياب المهنية في معالجة القضايا من لدن أعداء الوطن، لا سيما وأنه يفرض نفسه في الأوساط الإعلامية كـ “باحث في شؤون الإسلام السياسي”.
وإنا غدا لناظره لقريب..
قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) {الكهف:29}.
والحمد لله رب العالمين.